﴿فَكَذَّبُوهُ﴾: فكيف يُكذّبونه، وهو لم ينسب الأمر إلى نفسه، فهم لا يُكذِّبونه، إنّما يُكذِّبون الله عزَّ وجلَّ؛ لذلك يأتي الجزاء:
﴿فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ﴾: وهو عذاب يوم مشهود، حيث سلّط الله تعالى عليهم الحرارة الشّديدة سبعة أيّام، عاشوها في قيظ شديد، وقد حجز الله عزَّ وجلَّ عنهم الرّيح إلّا بمقدار ما يُبقي رَمَق الحياة فيهم، حتّى اشتدّ عليهم الأمر وحميَتْ من تحتهم الرّمال، فراحوا يلتمسون شيئاً يُروِّح عنهم، فرأوا غمامة قادمة في جوّ السّماء فاستشرفوا لها وظنّوها تخفّف عنهم حرارة الشّمس، وتُروِّح عن نفوسهم، فلمّا استظلُّوا بها ينتظرون الرّاحة والطّمأنينة عاجلتهم بالنّار تسقط عليهم كالمطر، ويا ليت هذه السّحابة أقشعت وتركتهم على حالهم، إنّما قذفتهم بالنّار والحُمَم من فوقهم، فزادتهم عذاباً على عذابهم، كما قال عزَّ وجلَّ في آية أخرى: ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ﴾[الأحقاف]، لذلك وصف الله عزَّ وجلَّ عذاب هذا اليوم أنّه:
﴿إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾: فما وَجْه عظمته وهو عذاب؟ قالوا: لأنّه جاء بعد استبشار واسترواح وأمل في الرّاحة، ففاجأهم ما زادهم عذاباً، وهذا ما نسمّيه: “يأس بعد إطماع”، وهو أنكَى في التّعذيب وأشقّ على النّفوس.