الآية رقم (11) - فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا

﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ﴾: حدثتْ هذه المسألة لزكريّا عليه السلام وهو في ﴿الْمِحْرَابِ﴾؛ أي: مكان العبادة والصّلاة، وعادةً ما يكون مرتفعاً عمّا حوله، وكان مصلّى الأنبياء والصّالحين، وسُمّي محراباً؛ لأنّه يحارب فيه الشّيطان بكيْده ووسوسته.

وقد ذُكر المحراب أيضاً في قصّة داود عليه السلام: ﴿وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ﴾[ص].

﴿فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ﴾: قلنا: إنّ (الوَحْي) له معنىً لُغَويّ ومعنى شرعيّ.

الوحي لُغةً: الإخبار بطريق خفيٍّ، وعلى هذا المعنى يأتي الوحي بطرق متعدّدة:

1- فالله سبحانه وتعالى يُوحِي إلى الرّسل والأنبياء، ويُوحي إلى غير الرّسل من المصطفين، كما في قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ﴾ [القصص: من الآية 7]؛ أي: أخبرها بطريق خفيٍّ، هو طريق الإلهام.

2- ويُوحِي سبحانه وتعالى إلى الملائكة: ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا﴾[الأنفال: من الآية 12].

3- ويُوحِي سبحانه وتعالى إلى الصّالحين من أتباع الرّسل: ﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي﴾ [المائدة: من الآية 111].

4- ويتعدَّى الإعلام بخفاء إلى الحشرات: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ﴾ [النّحل].

5- بل يتعدَّى الوحي إلى الجماد في قوله سبحانه وتعالى: ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا﴾ [الزّلزلة].

6- وقد يُوحي الشّياطين بعضهم إلى بعض: ﴿يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا﴾ [الأنعام: من الآية 112].

7- ويُوحون إلى أوليائهم: ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ﴾[الأنعام: من الآية 121]؛ لأنّ الشّيطان لا يأتي الإنسان إلّا بطريق خفيٍّ، ووسوسة في خواطره.

أمّا الوحي الشّرعيّ: فهو إعلام من الله سبحانه وتعالى وحده إلى نبيّ يدَّعي النّبوّة ومعه معجزة، فالوحي: إعلامٌ خفيّ من الله سبحانه وتعالى للرّسول.

فقوله سبحانه وتعالى: ﴿فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ﴾؛ أي: قال لهم بطريق الإشارة؛ لأنّه لا يتكلّم.

﴿أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾: بُكرة: أوّل النّهار، وعَشيّاً: آخره، يعني: طوِّقوا النّهار بالتّسبيح بداية ونهاية.

وكأنّ زكريّا عليه السلام قد بدتْ عليه علامات الفرح والانبساط بالبُشْرى، ورأى أنّ شُكْره لله عزَّ وجلَّ وتسبيحه لا ينهض بهذه النّعمة، فأمر قومه أنْ يُسبِّحوا الله تعالى معه، ويشكروه على هذه النّعمة؛ لأنّها لا تخصُّه وحده، بل هي عامّة للقوم كلّهم؛ لأنّه سيرث منه النّبوّة، وهو ميراث العلم والخير.

«فَخَرَجَ» الفاء استئنافية وماض فاعله مستتر

«عَلى قَوْمِهِ» متعلقان بخرج

«مِنَ الْمِحْرابِ» متعلقان بخرج

«فَأَوْحى» الفاء استئنافية وماض والفاعل مستتر

«إِلَيْهِمْ» متعلقان بأوحى

«أَنْ» تفسيرية لأنها وقعت بعد جملة فيها معنى القول

«سَبِّحُوا» أمر والواو فاعل

«بُكْرَةً» ظرف زمان متعلق بسبحوا والجملة لا محل لها من الاعراب لأنها تفسيرية

«وَعَشِيًّا» عطف على بكرة

{فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ} أي أَوْمَأَ
{أَنْ سَبِّحُوا} أي صلُّو {بُكْرَةً وَعَشِيًّا} والسُّبْحَةُ: الصلاة.