الآية رقم (77) - فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا

﴿فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا﴾: استطعم: أي طلب الطّعام، وطَلَبُ الطّعام هو أصدق أنواع السّؤال، فلا يسأل الطّعام إلّا جائعٌ محتاجٌ، فلو سأل مالاً لقلنا: إنّه يدّخره، إنّما الطّعام لا يعترض عليه أحدٌ، ومنْعُ الطّعام عن سائله دليل بُخْلٍ ولُؤْمٍ متأصِّل في الطّباع، وهذا ما حدث من أهل هذه القرية الّتي مَرّا بها وطلبَا الطّعام فمنعوهما.

والمتأمّل في الآية يجد أنّ أسلوب القرآن الكريم يُصوّر مدى بُخْل هؤلاء القوم ولُؤْمهم وسُوء طباعهم، فلم يقُلْ مثلاً: فأبَوا أن يطعموهما، بل قال: ﴿فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا﴾، وفرْق بين الإطعام والضّيافة، أَبَوْا الإطعام يعني منعوهما الطّعام، لكن أَبَوْا أن يُضيّفوهما، يعني كلّ ما يمكن أنْ يُقدَّم للضّيف حتّى مجرّد الإيواء والاستقبال، وهذا مُنْتَهى اللُّؤم.

ونلحظ أيضاً تكرار كلمة: ﴿أَهْلَ﴾، فلمّا قال: ﴿ أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ ﴾، فكان المقام للضّمير فيقول: استطعموهم، لكنّه قال: ﴿اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا﴾؛ لأنّهم حين دخلوا القرية: هل قابلوا أهلها كلّهم أو قابلوا بعض الّذين واجهوهم أثناء الدّخول؟ بالتّأكيد قابلوا بعضهم، أمّا الاستطعام فكان لأهل القرية جميعاً، كأنّهما مرّا على كلّ بيت في القرية وسألا أهلها جميعاً واحداً تلو الآخر دون جدوى، كأنّهم مجمعون على البُخْل.

﴿فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ﴾: أي لم يلبثا بين هؤلاء اللّئام حتّى وَجَدا جداراً يريد أنْ ينقضّ، ونحن نعرف أنّ الإرادة لا تكون إلّا للمفكّر العاقل، فكيف يريد الجدار؟! إنْ جاءت لغير العاقل فهي بمعنى: قَرُب؛ أي جداراً قارب أنْ ينهار، لما فيه من علامات كالتّصدُّع والشُّروخ مثلاً. ومن يدقّق في هذه المسائل والأمور يرى أيضاً أنّ الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ﴾ [الدّخان: من الآية 29]، فإذا كانت السّماء تبكي فقد تعدَّتْ مجرّد الكلام، وأصبح لها أحاسيس، ولديها عواطف، فقوله: ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ﴾ دليلٌ على أنّها تبكي على فَقْد الصّالحين. وقد سُئِل الإمام عليّ كرّم الله وجهه عن هذه المسألة فقال: «نعم، إذا مات المؤمن بكى عليه موضعان: موضعٌ في السّماء وموضعٌ في الأرض، أمّا موضعه في الأرض فموضع مُصلَّاه، أمّا موضعه في السّماء فهو مصعد عمله»، وهذا دليل انسجام العبد المؤمن مع الكَوْن من حوله، فالكون كلّه مُسبِّحٌ لله سبحانه وتعالى.

ثم يقول الحقّ سبحانه وتعالى عن فِعْل الخضر مع الجدار الّذي قارب أن ينقض ﴿فَأَقَامَهُ﴾؛ أي أصلحه ورمَّمه.

﴿قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾: هذا قول موسى عليه السلام لـمّا رأى لُؤْمَ القوم وخِسّتهم، فقد طلبنا منهم الطّعام فلم يُطْعمونا، بل لم يقدّموا لنا مجرّد المأوى، فكيف نعمل لهم مثل هذا العمل من غير أجرة؟

وجاء هذا القول من موسى عليه السلام؛ لأنّه لا يعلم الحكمة من وراء هذا العمل.

«فَانْطَلَقا» الفاء عاطفة وماض وفاعله والجملة معطوفة

«حَتَّى» حرف غاية وجر

«إِذا» ظرف يتضمن معنى الشرط

«أَتَيا» ماض والألف فاعله والجملة مضاف إليه

«أَهْلَ» مفعول به

«قَرْيَةٍ» مضاف إليه

«اسْتَطْعَما» ماض والألف فاعله

«أَهْلَها» مفعول به والها مضاف إليه والجملة لا محل لها لأنها جواب إذا

«فَأَبَوْا» الفاء عاطفة وماض مبني على الضم المقدر على الألف المحذوفة والواو فاعل والجملة معطوفة

«أَنْ» حرف ناصب

«يُضَيِّفُوهُما» مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة والواو فاعل والهاء مفعول به وأن وما بعدها في تأويل مصدر في محل نصب مفعول به

«فَوَجَدا» الفاء عاطفة وماض والألف فاعل والجملة معطوفة

«فِيها» متعلقان بوجدا والها مضاف إليه

«جِداراً» مفعول به

«يُرِيدُ» مضارع فاعله مستتر والجملة صفة لجدار

«أَنْ يَنْقَضَّ» أن حرف ناصب ومضارع منصوب وفاعله مستتر والمصدر الأول مفعول به

«فَأَقامَهُ» الفاء عاطفة وماض فاعله مستتر والهاء مفعول به

«قالَ» ماض فاعله مستتر والجملة مستأنفة

«لَوْ» حرف شرط غير جازم

«شِئْتَ» ماض والتاء فاعله والجملة ابتدائية لا محل لها

«لَاتَّخَذْتَ» اللام واقعة في جواب الشرط وماض فاعله التاء

«عَلَيْهِ» متعلقان باتخذت

«أَجْراً» مفعول به والجملة لا محل لها من الإعراب لأنها جواب شرط غير جازم

يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ أي ينكسر ويسقط