الآية رقم (88) - فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ

﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ﴾: استجاب الله عزَّ وجلّ نداء يونس عليه السّلام ونجَّاه من الكرب، من الظّلمات الثّلاث.

﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾: فهذه ليست خاصّة بيونس عليه السّلام، بل بكلّ مؤمن يدعو الله سبحانه وتعالى بهذا الدّعاء.

﴿وَكَذَلِكَ﴾: أي: مثل هذا الإنجاء، نُنْجي المؤمنين الّذين يفزعون إلى الله عزَّ وجلّ بهذه الكلمة: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: من الآية 87]، فيُذهِب الله سبحانه وتعالى غَمَّه، ويُفرِّج كَرْبه، لذلك يقول عبد الله بن مسعود t: “ثوِّروا القرآن”؛ أي: أثيروه ونقِّبوا في آياته لتستخرجوا كنوزه وأسراره، وكان سيّدنا جعفر الصّادق t من المثوِّرين للقرآن الكريم المتأمّلين فيه، وكان يُخرِج من آياته الدّواء لكلّ داء، ويكون كما نقول: (وصفة) للمؤمن الّذي يتقلّب بين أحوال عدّة منها: الخوف ومنها النّعيم ومنها ضيق في الصّدر ومنها الغَمُّ، ومنها المكر، ومنها الكَيْد، ومنها تدبير أهل الشّرّ، وهذه كلّها أحوال تعتري الإنسان، ويحتاج فيها إلى مَنْ يسانده ويُخرجه ممّا يعانيه، فليس له حَوْل ولا قوّة، ولا يستطيع الاحتياط لهذه المسائل كلّها، فيحتاج أن يأخذ هذه القوّة من الله عزَّ وجلّ، فقال الإمام جعفر الصّادق: “عجبت لمن خاف، ولم يفزع إلى قول الله سبحانه وتعالى: ﴿حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾[آل عمران: من الآية 173]، فإنِّي سمعت الله سبحانه وتعالى بعقبها يقول: ﴿فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ﴾[آل عمران: من الآية 174]، وعجبتُ لـمَنْ اغتمَّ، ولم يفزع إلى قوله سبحانه وتعالى: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾  [الأنبياء: من الآية 87]، فإنّي سمعت الله سبحانه وتعالى بعقبها يقول: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنبياء: من الآية 88]، وعجبتُ لمن مُكِرَ به، ولم يفزع إلى قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ﴾[غافر: من الآية 44]، فإنّي سمعت الله سبحانه وتعالى بعقبها يقول: ﴿فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا﴾[غافر: من الآية 45]، وعجبتُ لمن طلب الدّنيا وزينتها، ولم يفزع إلى قوله تعالى: ﴿مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾[الكهف: من الآية 39]، فإنّي سمعت الله بعقبها يقول: ﴿فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ﴾ [الكهف: من الآية 40]”، وهكذا يجب على المؤمن أن يكون مُطْمئنّاً واثقاً من معيّة الله عزَّ وجلّ، لذلك نجد أنّ الإمام جعفر الصّادق يقول هنا: سمعت الله سبحانه وتعالى، ويجب أن نقف عند هذه الكلمة، (سمعت الله)؛ أي: أنّ قارئ القرآن الكريم كأنّه يسمع من الله عزَّ وجلّ مباشرة، فهذا كلام الله جلَّ جلاله.

«فَاسْتَجَبْنا» فعل ماض وفاعله والجملة معطوفة على ما قبلها

«لَهُ» متعلقان بالفعل

«وَنَجَّيْناهُ» الجملة معطوفة

«مِنَ الْغَمِّ» متعلقان بنجيناه

«وَكَذلِكَ» الواو استئنافية والكاف حرف جر وذا اسم إشارة في محل جر متعلقان بمحذوف صفة مفعول مطلق واللام للبعد والكاف للخطاب

«نُنْجِي» مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل فاعله مستتر

«الْمُؤْمِنِينَ» مفعول به منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم والجملة مستأنفة