﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾: أعرضوا وانصرفوا.
﴿فَقُلْ آذَنْتُكُمْ﴾: مادّة: أذن ومنها الأذان؛ تعني: الإعلام بالشّيء، والأصل في الإعلام كان في الأذُن بالكلام، حيث لم يكُنْ عندهم قراءة وكتابة، فاعتمد الإعلام على الكلام، والسّماع بالأُذُن، فمعنى: ﴿آذَنْتُكُمْ﴾: أعلمتُكم وأخبرتُكم.
﴿عَلَى سَوَاءٍ﴾: يعني: جاء الإعلام لكم جميعاً، لم أخصّ أحداً دون الآخر، فأنتم في الإعلام سواء، لا يتميّز منكم أحد على أحد؛ لذلك كان النّبيّ عليه السّلام يحرص على إبلاغ الجميع، فيقول: «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا ثُـمَّ بَلَّغَهَا، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ»([1])، وهكذا يشيع الخيْر ويتداول بين الجميع.
﴿فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ﴾: فلم أُعْلِم قوماً دون قوم، ولم أُسْمِع أُذُناً دون أُذن، ثم يُنبِّههم إلى أمر السّاعة:
﴿وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ﴾: فانتبهوا، واحتاطوا، فلا أدري لعلَّ السّاعةَ تكون قريباً، ولعلّها تفاجئكم قبل أنْ أُنهي كلامي معكم، لذلك؛ لـمّا سألوا أحد الصّالحين: فِيمَ أفنيتَ عمرك؟ قال: “أفنيت عمري في أربعة أشياء: علمت أنّي لا أخلو من نظر الله عزَّ وجلّ طَرْفة عين فاستحييتُ أنْ أعصيه، وعلمتُ أنّ لي رزْقاً لا يتجاوزني قد ضمنه الله لي فقنعتُ به، وعلمتُ أنّ عليَّ دَيْناً لا يؤدّيه عنّي غيري فاشتغلتُ به، وعلمتُ أنّ لي أَجَلاً يبادرني فبادرتُه”.
فالمراد: استعدّوا لهذه المسألة قبل أن تفاجئكم.
([1]) المعجم الأوسط للطّبرانيّ: باب الميم، من اسمه محمّد، الحديث رقم (5292).