الآية رقم (45) - فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ

لم يَأْت إلقاء موسى عليه السّلام لعصاه مباشرة بعد أن ألقى السّحرة، إنّما هنا أحداث ذُكِرتْ في آيات أخرى، وفي لقطات أخرى للقصّة، يقول عزَّ وجلَّ: ﴿قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى﴾[طه]، هكذا كانت الصّورة، فلمّا خاف موسى عليه السّلام ثبَّته ربّه تعالى، وأيّده بالحقّ والحجّة، وتابعه فيما يفعل لحظةً بلحظة؛ ليُعدِّل سلوكه، ويشدّ على قلبه، وما كان الحقّ عزَّ وجلَّ ليرسله ثمّ يتخلّى عنه، وقد قال له ربّه تعالى قبل ذلك: ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾[طه: من الآية 39]، وقال: ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾[طه: من الآية 46]، فالحقّ عزَّ وجلَّ يعطي نبيّه موسى عليه السّلام الأوامر، ويعطيه الحجّة لتنفيذها، ثمّ يتابعه بعنايته ورعايته.

فحينما نجمع هذه اللّقطات نجدها تستوعب الحدث، ويُكمّل بعضها بعضاً، وهذا يظنّه بعضهم تكراراً، وليس هو كذلك، فجاء إلقاء موسى لعصاه بعد توجيه جديد من الله عزَّ وجلَّ أثناء المعركة: ﴿وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا﴾[طه: من الآية 69]، وهنا قال: ﴿فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ﴾.

﴿تَلْقَفُ﴾: تبتلع وتلتهم في سرعة وقوّة، أمّا السّرعة واختصار الزّمن والقوّة، فتدلّ على الأخذ بشدّة وعُنْف، وفي هذا دليل على أنّه خاض المعركة بقوّة، فلم تضعف قوّته لما رأى من ألاعيب السَّحَرة.

﴿مَا يَأْفِكُونَ﴾: من الإفك، يعني: قلْب الحقائق؛ لذلك سَمَّوْا الكذب إفْكاً؛ لأنّه يقلب الحقيقة ويُغيّر الواقع، ومنها قوله عزَّ وجلَّ: ﴿وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى﴾ [النّجم]، وهي القرى الظّالمة الّتي أهلكها الله عزَّ وجلَّ، فجعل عاليها سافلها، وسبق أن أوضحنا أنّ الكذب وقَلْب الحقائق يأتي عندما تكون النّسبةُ الكلاميّة مخالفة للواقع، وسَمَّى الله عزَّ وجلَّ ما يفعله السّحرة إفكاً؛ لأنّهم يُغيِّرون الحقيقة، ويُخيِّلون للنّاس غيرها.

«فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ» ماض وفاعل ومفعول به والجملة معطوفة

«فَإِذا» الفاء عاطفة وإذا الفجائية

«هِيَ» مبتدأ

«تَلْقَفُ» مضارع فاعله مستتر

«ما» موصولة مفعول به والجملة خبر هي

«يَأْفِكُونَ» مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل والجملة صلة.