الآية رقم (40) - فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ

﴿فَأَخَذۡنَٰهُ وَجُنُودَهُ﴾: كأنّ الحقّ تعالى لم يُمهلهم إلى أن يعودوا إليه يوم القيامة، إنّما عاجلهم بالعذاب في الدّنيا قبل عذاب الآخرة، ﴿فَأَخَذۡنَٰهُ وَجُنُودَهُ﴾؛ أي: جميعاً في قبضة واحدة، التّابع والمتبوع.

﴿فَنَبَذۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡيَمِّ﴾: ألقينا بهم في البحر.

وهذا الأخذ الّذي يشملهم جميعاً في قبضة واحدة يدلُّ على قدرة الآخذ، وهذه مسألة لا يقدر عليها إلّا الله القويّ العزيز، كما قال تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ [هود].

﴿فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلظَّٰلِمِينَ﴾: أي: نهايتهم، وقد جاءت عجيبة من عجائب الزّمن وآية من آيات الله تعالى، فالبحر والماء جُنْد من جنود الله تعالى، تنصر الحقّ وتهزم الباطل، وقد ذكرنا كيف أنجى الله تعالى موسى عليه السلام وأهلك فرعون بالشّيء الواحد حين أمر الله تعالى موسى عليه السلام أنْ يضرب بعصاه البحر، فصار كلّ فِرْق كالطّود العظيم، فلمّا أنْ جاوزه موسى وقومه إلى النّاحية الأخرى أراد أنْ يضرب البحر مرّة أخرى ليعود الماء إلى سيولته واستطراقه فيُصَحِّح الله تعالى له ويأمره أنْ يدَعَهُ على حاله، ﴿وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا ۖ إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ﴾[الدّخان]، فالحقّ تعالى يتابع نبيّه موسى عليه السلام خُطْوة بخطوة، كما قال له: ﴿ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ﴾ [طه: من الآية 46]، وحاشا لله أن يُكلِّفه بأمر ثمّ يتركه، ولـمّا رأى فرعون الطّريق اليابس أمامه عبر بجنوده، فأطبقه الله تعالى عليهم، فصاروا آية وعبرة، كما قال تعالى: ﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً﴾[يونس: من الآية 92]، ولنتأمَّلْ قدرة الله تعالى الّتي أنجَتْ موسى من الغرق، وقد ألقتْه أمّه بيديها في الماء، وأغرقتْ فرعون.