﴿عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً﴾: كلمة: ﴿عَسَى﴾ تُفيد التّرجّي، وهو طلب شيء ممكن الحدوث، فإن كان الرّجاء من الله سبحانه وتعالى فهو متحقّق وواقع، فبعد أن نهاهم الله سبحانه وتعالى عن موالاة الكفّار، يعلم سبحانه وتعالى أنّ منهم أقارب وأصدقاء للمؤمنين، وأنّ خواطر المؤمنين متعلّقة بأقاربهم وأهليهم ممّن لايزال على الكفر، فالحقّ سبحانه وتعالى يطيّب خاطرهم، كأنّه يقول لهم: لا تحزنوا لمقاطعتكم لهم، فعسى الله سبحانه وتعالى أن يبدّل هذه المعاداة إلى مودّة، ويتحقّق هذا الرّجاء بالفعل، فرأينا كثيراً من هؤلاء في ساحة الإيمان قبل أن يفارقوا هذه الدّنيا، وكذلك صناديد الكفر وقادة الشّرك أسلم قسم منهم وحسن إسلامهم، فأصبحوا قادة في صفوف المسلمين، أمثال عمرو بن العاص وخالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل رضي الله عنهم، سبحان الله عكرمة الّذي كان من ألدّ أعداء الإسلام، والّذي وقف وحده في الخندق يوم الفتح ليردّ المسلمين هداه الله جل جلاله للإسلام وأراد أن يُبلي في الإسلام بلاء يجبر به ما كان منه في الجاهليّة، وفعلاً في المعركة مزّقته السّيوف والرّماح، فقال لسيّدنا خالد: يا خالد أهذه ميتة ترضي عنّي الله ورسوله؟
﴿وَاللَّهُ قَدِيرٌ﴾: أي: أنّ الله سبحانه وتعالى لا يعجزه شيء، ولا يخرج عن طاعته شيء، إنّه سبحانه وتعالى على كلّ شيء قدير، وهو جل جلاله القادر الأعلى الّذي يأتي بقلوب وأفئدة هؤلاء إليكم، ويجعل بينكم وبينهم مودّة، وهذا مثل قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾[آل عمران: من الآية 103].
﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾: يغفر لهم ما اقترفوه قبل إسلامهم، ويرحمهم بنعمته، ويفيض عليهم برحمته، وأنتم معهم في هذا، فهذا فضل من الله تبارك وتعالى عظيم.