الآية رقم (1) - طه

تكلّمنا كثيراً عن الحروف المقطَّعة في بدايات السّور منذ البدء بسورة (البقرة) بقوله سبحانه وتعالى: ﴿الم﴾، ولا مانع هنا أنْ نشير إلى ما ورد في قوله سبحانه وتعالى: ﴿طه﴾، فبعضهم يرى أنّها حروف متّصلة، وهي اسمٌ من أسماء الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، وبعضهم يرى أنّها حروفٌ مُقطّعة، مثل: ﴿الم﴾ ومثل ﴿يس﴾ إلّا أنّها صادفتْ اسماً من الأسماء كما في ﴿ن﴾ حرف، وهو اسم للحوت: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا﴾[الأنبياء: من الآية 87]، و﴿ق﴾ حرف، وهو اسم لجبل اسمه جبل قاف، فلا مانع أن تدلّ هذه الحروف على اسم من الأسماء، فتكون ﴿طه﴾ اسماً من أسماء الرّسول صلّى الله عليه وسلّم خاصّة أنّ بعدها: ﴿مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى﴾ [طه].

لكن نلاحظ هنا مفارقة، حيث نطق الطّاء والهاء بدون الهمزة، مع أنّها حروف مقطّعة، مثل ألف لام ميم، لكن لم ننطق الحرف كاملاً؛ لأنّ العرب كانوا يستثقلون الهَمْز فيُخَفِّفونها، كما في (ذئب)، يقولون: ذيب، وفي (بئر)، يقولون: بير، وهذا النّطق يُرجّح القول بأنّها اسمٌ من أسماء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.

وسبق أنْ أوضحنا أنّ فواتح السّور بالحروف المقطّعة تختلف عن باقي آيات القرآن الكريم، فآيات القرآن الكريم كلُّها من بدايته إلى نهايته بُنِيَتْ على الوَصْل، وإنْ كان لك أن تقف؛ لذلك فالمصاحف كلّها تُبنَى على الوَصْل في الآيات والسّور، فتنطق آخر السّورة على الوصل بــ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) في السّورة الّتي بعدها، تقول: ﴿هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا﴾ [مريم: من الآية 98]، (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)، ثمّ بداية السّورة الّتي تليها، حتّى في آخر سور القرآن الكريم ونهايته تقول: ﴿مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ﴾ [النّاس] ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة]، مع أنّها آخر كلمة في القرآن الكريم، لكنّها جاءت على الوَصْل إشارة إلى أنّ القرآن الكريم موصولٌ أوّله بآخره، لا ينعزل بعضه عن بعض، فإيّانا أن نجفوَهُ، أو نظنّ أنّنا أنهيناه؛ لأنّ نهايته موصولة ببدايته، فالقرآن الكريم في كلّ جملة وكلّ آية وكلّ سورة مبنيٌّ على الوَصْل، إلّا في فواتح السّور بالحروف المقطّعة تُبنَى على الوقف فتُقرَأ: (ألف لام ميم)، وهذا وجهٌ من وجوه الإعجاز، وأنّ القرآن الكريم ليس ميكانيكا، بل كلامٌ مُعْجِز من ربِّ العالمين، لذلك؛ فالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أوضح استقلاليّة هذه الحروف بذاتها، فقال: «تَعَلَّمُوا هَذَا الْقُرْآنَ فَإِنَّكُمْ تُؤْجَرُونَ بِتِلَاوَتِهِ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرَ حَسَنَاتٍ، أَمَا إِنِّي لَا أَقُولُ بِـ ، وَلَكِنْ بِأَلِفٍ، وَلَامٍ، وَمِيمٍ، بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ»([1]).

(([1] سنن الدّارميّ: وَمِنْ كِتَابِ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ، بَابُ: فَضْلِ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ، الحديث رقم (3351).

«طه» من حروف القرآن المقطعة لا محل لها من الإعراب