الآية رقم (1) - طسم

هذه الحروف الثّلاثة الّتي بدأت بها السّورة هي من الحروف المقطّعة، وعدد الحروف المقطّعة في أوائل السّور أربعة عشر حرفاً، تجمعها عبارة: (نصّ حكيم له سرّ قاطع)، وسبق أن تكلّمنا عن معاني الحروف المقطّعة في أوائل السّور، ولا بأس من التّذكير بشيء ممّا قلناه: قال الزّمخشريّ عن هذه الحروف: “إنّها على أصناف أجناس الحروف، يعني: من المهموسة والمجهورة، ومن الرّخوة والشّديدة، ومن المطبقة والمفتوحة، ومن المستعلية والمنخفضة، ومن حروف القلقلة، فسبحان الّذي دقّت في كلّ شيء حكمته”، وقلنا: هناك فَرْق بين اسم الحرف ومُسمّى الحرف، مُسمّى الباء، مثلاً: بَا، أو: بُو، أو: بِي، أو إبْ، في حالة السّكون، إنّما اسمها: باءٌ مفتوحة، أو مضمومة، أو ساكنة، لكن حين تنطق هذا الحرف في: (كَتَب) -مثلاً- تقول: كَتَبَ، فتنطق مُسمَّى الحرف لا اسمه، وقُلْنا: في هذه المسألة معانٍ كثيرة، أيسرها: أنّ القرآن الكريم، وهو كلام الله عزَّ وجلَّ المعجز مُنزَّل من حروف مثل حروفكم الّتي تتكلّمون بها، وكلمات مثل الّتي في لغتكم، لكن ما الّذي جعله متميّزاً بالإعجاز عن كلامكم؟ نقول: لأنّه كلام الله تعالى، هذا هو الفَرْق، أمّا الحروف فواحدة، ولو تأمّلنا لوجدنا أنّ الحروف المقطّعة في أوائل السّور هي نصف الحروف الهجائيّة، فمرّة يأتي حرف واحد: ﴿ن﴾، ﴿ق﴾، ومرّة حرفان: ﴿طه﴾، ﴿يس﴾، ومرّة ثلاثة أحرف: ﴿الم﴾، ﴿الر﴾، ومرّة أربعة أحرف: ﴿المر﴾، ومرّة خمسة أحرف: ﴿كهيعص﴾، وهذا يدُّلنا على أنّ القرآن الكريم مُعْجِز، مع أنّه بحروف اللّغة العربيّة نفسها، فسِرّ الإعجاز في القرآن الكريم أن تكون مادّته ومادّة غيره من الكلام واحدة، حروفاً وكلمات؛ لذلك كثيراً ما يقول الحقّ عزَّ وجلَّ بعد الحروف المقطّعة:

«طسم» لا محل لها من الإعراب