الآية رقم (10) - ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ

أي: ضرب الله سبحانه وتعالى مثلاً لحال الكفّار في مخالطتهم المسلمين، ومعاشرتهم لهم، وأنّه لا يغني أحد عن أحد، ولا ينفعهم شيء عند الله عز وجلَّ، إن لم يكن الإيمان حاصلاً في قلوبهم، فمجرّد الخلطة أو النّسب أو الزّوجيّة لا فائدة فيها ما دام الشّخص غير مؤمن بالله سبحانه وتعالى، ونلاحظ هنا أمراً مهمّاً في بعض الكلمات في القرآن الكريم، فنجد في هذه السّورة: ﴿امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ﴾ مكتوبة بالتّاء المفتوحة، بينما نجد في آيات أخرى كلمة: (امرأة) مكتوبة بتاء مربوطة، فما الفارق بين كلمة (امرأت) المكتوبة بالتاء المفتوحة، وكلمة (امرأة) المكتوبة بالتّاء المربوطة؟ الجواب هو: أنّ كلّ امرأة معروفة من هي، تُكتب بالتّاء المفتوحة، وكلّ امرأة لا تُعرَف من هي، تُكتَب بالتّاء المربوطة، فلفظ: (امرأة) إذا اقترنت بزوجها يوقف عليها بتاء مفتوحة مهموسة، وتُرسَم بالتّاء المفتوحة، وقد وردت في سبعة مواضع في القرآن الكريم:

1- ﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾[آل عمران].

2- ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ﴾[يوسف: من الآية 30].

3- ﴿قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ﴾[يوسف: من الآية 51].

4- ﴿وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾[القصص].

5- 6- ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾ [التّحريم].

7- ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾[التّحريم].

أمّا إذا ورد لفظ (امرأة) من غير زوجها (نكرة) يوقف عليها بتاء مربوطة؛ أي: هاء ساكنة مهموسة، وجاءت في قوله سبحانه وتعالى:

– ﴿وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ﴾ [النّساء: من الآية 12].

– ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾[النّساء: من الآية 128].

– ﴿إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ﴾[النّمل].

– ﴿وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾[الأحزاب: من الآية 50].

فسبحان الله العظيم، ففي القرآن الكريم حتّى في الحرف، والحركة الإعرابيّة، وفي الوقوف، وفي كلّ ما ورد فيه هناك حكمة وسبب وسرّ وإعجاز، فبعض النّاس يتعجّب لماذا كُتبت كلمة (امرأة) مرّة بالتّاء المفتوحة ومرّة بالتّاء المربوطة؟ ومثلها كلمة (شجرة)، وغيرها.. فكثير من الكلمات الّتي وردت في القرآن الكريم إذا اختلف فيها الرّسم فالمعنى يختلف، ويكون لعلّة معيّنة، وليس اعتباطاً.

﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا﴾: ذلك المثل أنّ امرأة نوح وامرأة لوط عليهما السّلام، كانتا في عصمة نكاح نبيَّين رسولين، وفي صحبتهما ليلاً ونهاراً، يعاشرانهما أشدّ العشرة والاختلاط، لكنّهما خانتاهما في الإيمان والدّين، فلم تؤمنا بهما، ولم تصدّقا الرّسالة، فلم ينفعهما نوح ولوط عليهما السّلام بشيء، ولا دفعا عنهما من عذاب الله عز وجلَّ، ولا دفعا عنهما محذوراً، مع كرامة نوح ولوط عليهما السّلام على الله سبحانه وتعالى، وحاق بهما سوء العذاب والعقاب، قيل: كانت امرأة نوح عليه السلام تقول للنّاس: إنّه مجنون، وكانت امرأة لوط تخبر قومه بأضيافه ليفجروا بهم.

﴿وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾: وقيل لهما في الآخرة عند دخول النّار: ادخلا النّار مع الدّاخلين فيها من أهل الكفر والمعاصي، جزاء كفرهما وسيّئاتهما. ثمّ ضرب الله سبحانه وتعالى مثلاً آخر يرشد إلى عكس المثل السّابق بامرأتين ليدلّ أنّ المؤمنين لا تضرّهم مخالطة الكافرين إذا كانوا محتاجين إليهم، فقال عن المرأة الأولى:

«ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا» ماض وفاعله ومفعوله والجملة استئنافية لا محل لها

«لِلَّذِينَ» متعلقان بالفعل

«كَفَرُوا» ماض وفاعله والجملة صلة

«امْرَأَتَ نُوحٍ» بدل مضاف إلى نوح

«وَامْرَأَتَ لُوطٍ» معطوف على ما قبله.

«كانَتا» كان واسمها

«تَحْتَ» ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر كان

«عَبْدَيْنِ» مضاف إليه

«مِنْ» «عِبادِنا» متعلقان بمحذوف صفة عبدين

«صالِحَيْنِ» صفة عبدين والجملة حال.

«فَخانَتاهُما» الفاء حرف عطف وماض وفاعله ومفعوله والجملة معطوفة على ما قبلها.

«فَلَمْ يُغْنِيا» مضارع مجزوم بلم والألف فاعله والجملة معطوفة على ما قبلها

«عَنْهُما» متعلقان بالفعل

«مِنَ اللَّهِ» حال

«شَيْئاً» مفعول به

«وَقِيلَ» ماض مبني للمجهول والجملة معطوفة على ما قبلها

«ادْخُلَا» أمر وفاعله والجملة مقول القول

«النَّارَ» مفعول به

«مَعَ» ظرف مكان

«الدَّاخِلِينَ» مضاف إليه.

{فَخَانَتَاهُمَا} … بِالكُفْرِ، وَالمُخَالَفَةِ فِي الدِّينِ.

{فَلَمْ يُغْنِيَا} … فَلَمْ يَدْفَعَا وَيَمْنَعَا عَنْهُمَا.