﴿ذَلِكَ﴾ : إشارة إلى ما تقدّم ذِكْره من دخول اللّيل في النّهار، ودخول النّهار في اللّيل، وتسخير الشّمس والقمر، ذلك كلّه:
﴿بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ﴾ : فكلّ ما تقدّم نشأ عن صفة من صفات الله عزَّ وجلَّ وهو الحقّ، والحقّ هو الشّيء الثّابت الّذي لا يتغيّر، فكأنّ ناموس الكون بكلّ أفلاكه وبكلّ المخلوقات فيه له نظام ثابت لا يتغيّر؛ لأنّ الّذي خلقه وأبدعه حقّ: ﴿بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ﴾ ، وما دام الله سبحانه وتعالى هو: ﴿الْحَقُّ﴾ فما يدَّعونه من الشّركاء هم الباطل.
﴿وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ﴾ : فلا يوجد في الشّيء الواحد حَقَّان، فإنْ كان أحدهما هو الحقّ فغيره هو الباطل، فالحقّ واحد ومقابله الباطل، وأيُّ باطل أفظع من عبادتهم للأصنام واتّخاذها آلهة وشركاء مع الله عزَّ وجلَّ؟ لذلك؛ قلنا في الحروب الّتي تنشب بين النّاس: إنّها لا تنشب بين حقّين؛ لأنّ الحقيقة لا يوجد فيها حقَّان، إنّما هو حقّ واحد، والآخر لا بُدَّ أن يكون باطلاً، أو تنشأ بين باطلين، أمّا نشأتها بين حقّ وباطل فإنّها في الغالب لا تطول؛ لأنّ الباطل زهوق، والعاقبة لا بُدَّ أنْ تكون للحقّ ولو بعد حين، إنّما تطول المعركة إنْ نشبت بين باطلين، فليس أحد الطّرفين فيها أهلاً لنصرة الله عزَّ وجلَّ، فالحقّ واحد وثابت، والحقّ هو الظّاهر وهو الغالب.
﴿وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ : العليّ الكبير يقولها الله سبحانه وتعالى، ويقولها رسوله ﷺ، ونقولها نحن؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى قالها؛ ولأنّ النّبيّ الصّادق أخبرنا بها، لكنّ المسألة أن يشهد بها مَنْ كفر بالله عزَّ وجلَّ، فللّه سبحانه وتعالى وحده العلوّ، ولله جلَّ جلاله وحده الكبرياء، بدليل أنّ الكافر حين تضطرّه أمور الحياة وتُلجئه إلى ضرورة لا مخرجَ منها لا يقول إلّا: يالله يا ربّ، فالله هو العليُّ بشهادة مَنْ كفر به، ثمّ أردف صفة (العليّ) بصفة (الكبير)؛ لأنّ العليّ يجوز أنّه علا بطغيان وعدم استحقاق للعلوّ، لكنّ الله سبحانه وتعالى هو العليّ، وهو الكبير الّذي يستحقّ هذا العلوّ. ثمّ يلفتنا الحقّ سبحانه وتعالى إلى آية أخرى من آياته في الكون: