الآية رقم (4) - خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ

﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ﴾: النّطفة الّتي نجيء منها، هي الحيوان الـمَنَويّ الّذي يتزاوج مع البويضة الموجودة في رَحم المرأة فتنتج العلقة، وسبحانه القائل: ﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ﴾ [القيامة]، ولا يمكن للعين الـمُجرَّدة أنْ ترى الحيوان المنويّ الواحد نظراً لِدقَّته المتناهية، ومطمورٌ في هذا الحيوان المنويّ الخصائص كُلّها الّتي تتّحد مع الخصائص الـمَطْمورة في بُويْضة المرأة ليتكوَّن الإنسان، وقد شاء الله سبحانه وتعالى ألّا ينفُذَ إلى البويضة إلّا الحيوانُ المنويّ القويّ؛ لِيُؤكِّد لنا أنّه لا بقاء إلّا للأصلح، ونحن نرى مِثْل ذلك في النّبات، فأوَّل حبَّة قمح كانت مثل آدم عليه السلام كأوّل إنسان بالطّريقة الّتي نعرفها، وفي تلك الحبَّة الأولى أوجد الله سبحانه وتعالى مضمون حبوب القمح كلّها من بعد ذلك، وإلى أنْ تقومَ السّاعة، وتلك عظمةُ الحقّ سبحانه وتعالى في الخَلْق، وقد أوضح لنا الحقّ سبحانه وتعالى في أكثر من موضعٍ بالقرآن الكريم مراحل خَلْق الإنسان، فهو: ﴿ أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ﴾[السّجدة: من الآية 8]، وهو من نطفة، ومن علقة، ثمّ مضغة مُخلَّقة وغير مُخلَّقة، والحيوان المنويّ الـمُسمَّى (نُطْفة) هو الّذي يحمل خصائص الأنوثة أو الذّكورة كما أثبت العلم الحديث، وليس للمرأة شَأْنٌ بهذا التّحديد، وكأنّ في ذلك إشارةً إلى مهمّة المرأة كسكَنٍ؛ لأنّ البُويْضة تتلقَّى الحيوان المنويّ وتحتضنه؛ ليكتمل النّمو إلى أنْ يصير كائناً بشريّاً: ﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾  [المؤمنون: من الآية 14]، وهو سبحانه وتعالى القائل: ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى﴾ [القيامة]، والعلقة جاء اسمها من مهمّتها، حيث تتعلّق بجدار الرَّحمِ كما أثبت العِلْم المعاصر، يقول سبحانه وتعالى: ﴿فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً﴾ [المؤمنون: من الآية 14]، والـمُضغْة هي الشّيء الـمَمْضُوغ، ثمّ يَصِف سبحانه وتعالى المضغة بأنّها: ﴿مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ﴾ [الحجّ: من الآية 5]، ولقائلٍ أن يتساءل: نحن نفهم أنّ الـمُضْغة الـمُخَلَّقة فيها ما يمكن أن يصير عيناً أو ذراعاً، ولكن ماذا عن غير الـمُخَلّقة؟ والجواب: إنّها رصيدٌ احتياطيٌّ لصيانة الجسم، فإذا كنتَ أيّها المخلوق حين تقوم ببناء بَيْتٍ تشتري بعضاً من الأشياء الزّائدة تحسُّباً لما قد يطرأ من أحداثٍ تحتاج فيها إلى قطع غيار، فما بالنا بالحقّ الّذي خلق الإنسان؟ لقد جعل الله سبحانه وتعالى تلك الـمُضْغة غير الـمُخلَّقة رصيداً للصّيانة، أو تجديداً لما قد يطرأ على الإنسان من ظروفٍ، وتكون زائدة في الجسم وكأنّها مخزنٌ لقطع الغيار، والمثال هو الجروح الّتي تُصيب الإنسان، نجدها تلتئم دون أنْ تتركَ نَدْبةً أو علامةً، ذلك أنّه قد تَمَّ علاجها من الصّيدليّة الدّاخليّة الّتي أودعها الله سبحانه وتعالى في الجسم ذاته، والمفاجأة هي أنّ هذا الإنسانَ المخلوق لله عز وجل:

﴿فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ﴾: يتمرَّد على خالقه، بل وينكر بعضٌ من الخَلْق أنّ هناك إلهاً، متجاهلين أنّهم بقوّة الله سبحانه وتعالى فيهم يتجادلون، والخصيم هو الّذي يُجادل ويُنكِر الحقائق، فإذا حُدِّث بشيءٍ غيبيٍّ، يحاول أنْ يدحضَ معقوليّته، ويقول سبحانه وتعالى في سورة يس: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ﴾  [يس]، وقد يكون من المقبول أن تكون خَصْماً لمساويك، ولكن من غير المقبول أن تكون خصيماً لِمَنْ خلقك فسوَّاكَ فَعَدلك، وفي أيِّ صورةٍ ما شاء رَكَّبك.

«خَلَقَ الْإِنْسانَ» ماض وفاعله مستتر والإنسان مفعوله والجملة مستأنفة

«مِنْ نُطْفَةٍ» متعلقان بخلق

«فَإِذا» الفاء زائدة وإذا الفجائية

«هُوَ خَصِيمٌ» مبتدأ وخبر

«مُبِينٌ» صفة.