الآية رقم (62) - ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ

﴿ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ﴾: أي إنّهم كانوا من الله سبحانه وتعالى إيجاداً ثمّ ردّوا إليه حساباً، ثواباً أو عقاباً.

﴿وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ﴾: يحسب لكلّ إنسان، ويحاسب كلّ إنسان على عمله، نجد أنّ النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلّا من ثلاث: صدقةٌ جاريةٌ، وعلمٌ يُنتَفع به، وولدٌ صالحٌ يدعو له»([1])، وكأنّ العمل يبقى كظاهر نصّ الحديث، والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ ]النّجم[، والإنسان يُحاسب كما قال سبحانه وتعالى عن نفسه: ﴿وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ﴾، فهل يُحاسب النّاس على أعمالهم؟ وعندما يموت الإنسان لا ينقطع عمله ويبقى العمل؟ هكذا يقول النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فهل هناك تعارضٌ بين النّصّ القرآنيّ ونصّ الحديث النّبويّ؟ والجواب: الّذي لا يعرف أصول التّفسير، ولا علوم الحديث النّبويّ الشّريف، ولا علوم اللّغة العربيّة لا يمكن له أن يتصدّى لتفسير كتاب الله سبحانه وتعالى، ولا أن يعرف فقه التّفسير والدّلالات الّتي تأتي، صحيحٌ أنّ الله سبحانه وتعالى قال: ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ ]النّجم[، لكنّ النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم لم يخالف النّصّ القرآنيّ؛ لأنّنا إذا قرأنا الحديث: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلّا من ثلاث: صدقةٌ جاريةٌ، وعلمٌ يُنتَفع به، وولدٌ صالحٌ يدعو له»، الصّدقة الجارية هي من عمل الإنسان قبل أن يموت، والعلم الّذي يُنتفع به أليس هو العلم الّذي اكتسبه في حياته؟ والولد الصّالح أليس من تربيته؟ فإذاً هو من عمله، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ [النّجم]، إذاً لا يوجد تعارضٌ ما بين الحديث النّبويّ وما بين صريح القرآن الكريم.

 


([1]) سنن التّرمذيّ: كتاب الأحكام، باب في الوقف، الحديث رقم (1376).

ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ: فعل ماض مبني للمجهول تعلق به الجار والمجرور والواو نائب فاعل، والجملة معطوفة على جملة «تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا»

مَوْلاهُمُ: بدل من الله مجرور مثله بالكسرة المقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر، والهاء ضمير متصل في محل جر بالإضافة، والميم لجمع الذكور.

الْحَقِّ: صفة مولى مجرورة مثلها بالكسرة

أَلا: حرف تنبيه واستفتاح «لَهُ» متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ «الْحُكْمُ»، والجملة الاسمية استئنافية لا محل لها، وكذلك الجملة الاسمية

وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ: مستأنفة مثلها.

ثُمَّ رُدُّوا: أي الخلق.

مَوْلاهُمُ: مالكهم.

الْحَقِّ: الثابت العدل ليجازيهم.

لَهُ الْحُكْمُ: القضاء النافذ فيهم.

وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ: يحاسب الخلق كلهم في قدر نصف نهار من أيام الدّنيا، لحديث وارد بذلك.