الآية رقم (199) - ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ

(ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ) أيّ النّاس؟ إمّا مجموع النّاس، أو كما قال بعض المفسّرين: المقصود بالنّاس إبراهيم عليه السَّلام؛ لأنّ إبراهيم كما وصفه الله سبحانه وتعالى في القرآن: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا) [النّحل: من الآية 120]،  هو فرد لكن خصال إبراهيم هي خصال تجمع خصال أمّة؛ لأنّ الأمّة هي تجمّع مواهب وملكات الأفراد، فإذا امتلك شخص مواهب كلّ الناس فيكون أمّة بذاته؛ لذلك وصَفَ الله إبراهيم بأنّه كان أمّة.

وهناك قول: إنّ قريشاً ومن كان على دينها في الجاهليّة وهم الحمس كانوا يقفون بمزدلفة، وكان مَن سواهم يقفون بعرفة فأنزل الله: (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ).

(إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ): لماذا جاءت إنّ الله غفور رحيم؛ لأنّك مهما أدّيت من حقّ الله عليك فإنّك تبقى مقصّراً في حقّه، لو أنّنا عبدنا الله عمرنا كلّه ما أدّينا شكره على نعمة واحدة أنعمها علينا كنعمة البصر، أو نعمة النّطق، أو نعمة السّمع، أو نعمة الحياة، أو أيّة نعمة من النّعم فإنّنا لا نستطيع أن نؤدّي الشّكر لله سبحانه وتعالى، لذلك عندما دخلت السيّدة عائشة رضي الله عنها ورأت نبيّ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقوم من اللّيل حتّى تتفطّر قدماه، قالت: لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟ قال: أفلا أحبّ أن أكون عبداً شكوراً([2])، هذا هو معنى العبادة؛ أن تكون شاكراً للنّعمة صابراً على المصيبة، هكذا هو معنى العبادة الحقيقية لله سبحانه وتعالى.

 


([1]) التّمهيد لما في الموطّأ من المعاني والأسانيد: ج1، ص 128.
([2]) صحيح البخاريّ: كتاب التّفسير، باب سورة الفتح، الحديث رقم (4557).

ثُمَّ: حرف عطف.

أَفِيضُوا: فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل.

مِنْ حَيْثُ: جار ومجرور متعلقان بأفيضوا.

أَفاضَ: فعل ماض.

النَّاسُ: فاعله والجملة معطوفة.

وَاسْتَغْفِرُوا: الجملة معطوفة.

اللَّهَ: لفظ الجلالة مفعول به.

إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ: إنَّ ولفظ الجلالة اسمها وغفور خبرها والجملة تعليلية لا محل لها.

رَحِيمٌ: خبر ثان

ثُمَّ أَفِيضُوا: يا قريش

مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ: أي من عرفة، بأن تقفوا بها معهم، وكانوا يقفون بالمزدلفة، ترفعاً عن الوقوف معهم، وثم للترتيب في الذكر.

وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ: من ذنوبكم.