﴿ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً﴾: يعني: بعد أن جعلناه بشراً مُسْتوياً فيه روح جعلناه يتكاثر من نفسه، وكما خلقناه من خلاصة الطّين في الإنسان الأوّل نخلقه في النّسْل من خلاصة الماء وأصفى شيء فيه، وهي النّطفة؛ لأنّ الإنسان يأكل ويشرب ويتنفّس، والدّم يمتصّ خلاصة الغذاء، والباقي يخرج على هيئة فضلات، ثمّ يُصفَّى الدّم ويرشح في الرّئة وفي الكلى، ومن خلاصة الدّم تكون طاقة الإنسان، وتكون النّطفة الّتي يُخلَق منها الإنسان، فهو حتّى في النّطفة من سلالة مُنْتقاة، والنّطفة الّتي هي أساس خَلْق الإنسان تعيش في وسط مناسب وهو السّائل المنويّ، لذلك قال تعالى: ﴿أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى﴾ [القيامة]، ثمّ جعلنا هذه النّطفة:
﴿فِي قَرَارٍ مَكِينٍ﴾: قرار: يعني مُستقرّ تستقرّ فيه النّطفة، والقرار المكين هو الرّحم خلقه الله تعالى على هذه الهيئة، فحصّنه بعظام الحوض، وجعله مُعدَّاً لاستقبال هذه النّطفة والحفاظ عليها.