الآية رقم (4) - تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى

﴿تَنْزِيلًا﴾: مصدر؛ أي: أنزلناه تنزيلاً، وقد ورد في نزول القرآن الكريم: ﴿أَنْزَلْنَاهُ﴾، و﴿وَنَزَّلْنَاهُ﴾، و﴿نَزَّلَ﴾، يقول سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ﴾[القدر]؛ لأنّ القرآن الكريم أخذ أدواراً عِدَّة في النّزول، فقد كان في اللّوح المحفوظ، فأراد الله سبحانه وتعالى له أن يباشر مهمّته في الوجود، فأنزله من اللّوح المحفوظ مرّة واحدة إلى السّماء الدّنيا، فأنزله؛ أي: الله سبحانه وتعالى ثمّ تَنزَّل مُفرَّقاً حسْب الأحداث من السّماء الدّنيا على قلب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والّذي نزل به جبريل عليه السَّلام: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ﴾ [الشّعراء].

﴿مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ﴾: خَصَّ السّموات والأرض؛ لأنّها من أعظم خَلْق الله عزَّ وجلَّ، وقد أعدّهما الله سبحانه وتعالى ليستقبلا الإنسان، فالإنسان طرأ على كَوْن مُعَدٍّ جاهز لاستقباله، فكان عليه ساعة أنْ يرى هذا الكون الـمُعدَّ لخدمته بأرضه وسمائه، ولا قدرة له على تسيير شيء منها أن يُعمِلَ عقله، ويستدلّ بها على الموجد سبحانه وتعالى.

﴿الْعُلَى﴾: العلا: جمع عُليا، كما نقول في جمع كبرى: كُبَر، قال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ﴾[المدثر]، وهكذا تكتمل مُقوِّمات التّكوين العالي لخليفة الله سبحانه وتعالى في الأرض، فكما أعطاه ما يقيم حياته ونوعه بخَلْق السّموات والأرض، أعطاه ما يُقيم معنويّاته بنزول القرآن الكريم الّذي يحرس حركاتنا من شراسة الشّهوات، فالّذي أنزل القرآن الكريم هو الّذي خلق الأرض والسّموات العلا.

والصّفة البارزة في هذا التّكوين العالي للإنسان هي صِفَة الرّحمانيّة؛ لذلك قال بعدها:

«تَنْزِيلًا» مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره نزلنا

«مِمَّنْ» من حرف جر ومن اسم موصول متعلقان بتنزيلا

«خَلَقَ» ماض فاعله مستتر والجملة صلة

«الْأَرْضَ» مفعول به

«وَالسَّماواتِ» معطوف على الأرض وهو منصوب مثله وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة لأنه جمع مؤنث سالم

«الْعُلى» صفة السموات وهي منصوبة مثله بالفتحة المقدرة على الألف للتعذر.