الآية رقم (26) - اللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاء وَيَقَدِرُ وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ

﴿اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾: البسط هو مدّ الشّيء، فالله سبحانه وتعالى يوسّع على من يَشاء من خلقه في رزقه، فيبسط له منه.

والرّزق لا يقتصر فقط على المال، وإنّما هو كلّ ما يُنتفع به، فالصّحّة رزقٌ، والعلم رزقٌ، والأخلاق رزقٌ، والمال هو جزءٌ من هذا الرّزق، والله سبحانه وتعالى طمأن النّاس بكفالة الرّزق، فقال سبحانه وتعالى: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَاْلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ﴾ ]الذّاريات[، دخل سيّدنا عمر بن الخطّاب t إلى المسجد فوجد رجلاً يرفع يديه إلى السّماء ويدعو بالرّزق، فقال t: “لَا يَقْعُدُ أحدكم عن طلب الرّزق يقول: اللَّهُمَّ ارزقني، فَقَد عَلِمْتُم أَنَّ السَّمَاءَ لَا تُمطِر ذهباً ولا فضّة”، فالرّزق مضمونٌ، ولكن لا بدّ من الحركة والعمل للحصول عليه، والأخذ بالأسباب أساسٌ في هذه الحياة الدّنيا، وقد أراد الله سبحانه وتعالى لهذه الحياة أن تكون مجال اختبارٍ وابتلاءٍ؛ لذلك لا بدّ من ارتباط الأسباب بالمسبّبات، لكنّ الفاعل الحقيقيّ هو الله عز وجل، وكلّ ما سوى الله سبحانه وتعالى فقد جرى عليه فعل الفاعل.

﴿وَيَقْدِرُ﴾: يضيّق.

فهناك أناسٌ رزقهم ضيّقٌ، ولكن هل ترك الله سبحانه وتعالى الخلق هكذا، أو أنّه جعل في مال الأغنياء حقّاً للفقراء؟ هل ضمن الرّزق للبشر كلّهم؟ الجواب: نعم، إنّ الله عز وجل فرض في أموال الأغنياء ما يسع الفقراء، فلو أخرج الأغنياء زكاة أموالهم لما وُجِد فقراء، فهذا سيّدنا عمر بن عبد العزيز t وزّع الأموال وبقي في بيت المال فقال: وزّعوا على الفقراء وزّعوا على المساكين وزّعوا على من يريد الزّواج وزّعوا… وبقيت الأموال كثيرة، فقال: انثروا الحبّ على رؤوس الجبال حتّى لا يُقال: بأنّه جاع طيرٌ في عهد عمر، فلو أنّ الأغنياء أدّوا حقّ الله تعالى فيما عليهم للفقراء ما جاع فقيرٌ، وهذا هو الحقّ المعلوم: ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (٢٤) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾]المعارج[.

﴿وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾: الفرح بطبيعته ليس أمراً غير مرغوبٍ فيه، بدليل أنّ الله سبحانه وتعالى قال: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ ]يونس[، فالفرح غير مذمومٍ إذا لم يكن ببطرٍ وتكبّرٍ واستغناءٍ عن عطاء الله سبحانه وتعالى، بدليل قوله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾]القصص[، فهذه المعايير الأخلاقيّة القيميّة الّتي تضمن المجتمعات، فالفرح مقبولٌ عندما يكون بحقّ، أمّا هنا فهو فرحٌ بباطل؛ لأنّ المولى سبحانه وتعالى قال: ﴿وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾، فقد فرحوا بهذه الدّنيا، ويجب أن تكون الفرحة هي الفرحة الحقيقيّة: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾، برضا الله جل جلاله، والرّضا بقضائه وهذا فارقٌ كبيرٌ بمعنى الفرح.

﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ﴾: المتاع: هو الشّيء الزّائل، شيءٌ لا يبقى، مُتعة قليلة وزائلة، فلا تُقارن هذه الدّار الّتي أنت راحلٌ عنها بالدّار الّتي أنت قادمٌ إليها، لا تُقارن هذه الدّار الّتي مدّة لبثك فيها لا تتجاوز اليسير إلى الخُلد والبقاء الدّائم، لذلك كان سيّدنا عمر بن عبد العزيز يقول: يا ساكن القبر غداً، ما غرّك من الدّنيا، هل تعلم أنّك تبقى أو تبقى لك؟! جاء الأمر من السّماء، جاء غالب القدر والقضاء، جاء من الأمر الأجل ما يمتنع منه، هيهات يا مغمض الوالد والولد والأخ ومكفّنه، يا مغسّل الميت ومخلّيه، يا تاركه وذاهباً عنه ماذا تقول لملك الموت؟

فالموت حقٌّ، والإنسان زائلٌ، ذاهبٌ إلى ربّه، إنّا لله وإنّا إليه راجعون، فلا يكون الفرح بمتاعٍ زائلٍ كالحياة الدّنيا، وإنّما بالآخرة الباقية.

«اللَّهُ» لفظ الجلالة مبتدأ والجملة مستأنفة

«يَبْسُطُ» مضارع فاعله مستتر والجملة خبر

«الرِّزْقَ» مفعول به

«لِمَنْ» موصولية ومتعلقان بيبسط

«يَشاءُ» مضارع فاعله مستتر والجملة صلة

«وَيَقْدِرُ» مضارع فاعله مستتر ومعطوف على يبسط

«وَفَرِحُوا» ماض وفاعله والجملة مستأنفة

«بِالْحَياةِ» متعلقان بفرحوا

«الدُّنْيا» صفة الحياة

«وَمَا» الواو حالية وما نافية

«الْحَياةُ» مبتدأ

«الدُّنْيا» صفة

«فِي الْآخِرَةِ» متعلقان بمحذوف حال

«إِلَّا» أداة حصر

«مَتاعٌ» خبر والجملة حالية.