الآية رقم (17) - الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ

(الصَّابِرِينَ): الدّليل على الإيمان بالله سبحانه وتعالى يكون بالسّلوكيّات،

مثل: الصّلاة والصّيام وأداء الزّكاة والحجّ والعمرة… لكن السّلوك الأوّل هو الصّبر، قال سبحانه وتعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاة) [البقرة: من الآية 45]، فقدّم الصّبر على الصّلاة، وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: «الصّبر نصف الإيمان»([1])؛ لأنّ المؤمن إن لم يكن صابراً فهو رافض لقضاء الله سبحانه وتعالى، وجاحد لإرادته ومشيئته جل جلاله.

والصّبر أنواع: 1- صبرٌ عن المعصية.

              2- وصبرٌ على الطّاعة.

              3- وصبرٌ على النّوازل.

وما منّا إلّا ويُصاب؛ لأنّه من عالم أغيار، قال سبحانه وتعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) [البقرة]، لم يقل: (وبشّر المصلّين)، بل قال: الصّابرين؛ لأنّ الصّبر دليل على أنّ الصّلاة قد أدّت الوظيفة الّتي أرادها الله سبحانه وتعالى منها، فالصّلاة تؤدّي إلى سلوك، وهو أن تصبر على ما أصابك، وتصبر على ما أُمرت به، وتصبر على طاعة الله سبحانه وتعالى؛ لذلك جاءت أوّلاً كلمة (الصَّابِرِينَ) في هذه الآية.

(والصَّادِقِينَ): وقضيّة الصّدق قضيّة هامّة، فكما قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «إنّ الصّدق يهدي إلى البرّ، وإنّ البرّ يهدي إلى الجنّة، وإنّ الرّجل ليصدق حتّى يكون صدّيقاً، وإنّ الكذب يهدي إلى الفجور، وإنّ الفجور يهدي إلى النّار، وإنّ الرّجل ليكذب حتّى يكتب عند الله كذّاباً»([2])، إذاً الصّدق بالنّسبة للمؤمن هو علامة من علامات الإيمان، قال أبو الدّرداء رضي الله عنه: يا رسول الله، هل يسرق المؤمن؟ قال: «قد يكون ذلك»، قال: فهل يزني المؤمن؟ قال: «بلى، وإن كره أبو الدّرداء»، قال: هل يكذب المؤمن؟ قال: «إنّما يفتري الكذب من لا يؤمن، إنّ العبد يزلّ الزلّة ثمّ يرجع إلى ربّه فيتوب، فيتوب الله عليه»([3]).

الصَّابِرِينَ: بدل من الذين مجرور بالياء لأنه جمع مذكر سالم أو اسم منصوب على المدح بفعل محذوف والأسماء

«الصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ» عطف على الصابرين

بِالْأَسْحارِ: متعلقان بالمستغفرين.

الصَّابِرِينَ: على الطاعة وعن المعصية، والصبر: حبس النفس عند كل مكروه يشق عليها احتماله

وَالصَّادِقِينَ: في الإيمان. والصدق يكون في القول والعمل، والصفة كالحب

وَالْقانِتِينَ: المداومين على الطاعة والعبادة.

وَالْمُسْتَغْفِرِينَ: بِالْأَسْحارِ أي المصلين وقت السحر، القائلين: اللهم اغفر لنا.

بِالْأَسْحارِ: أواخر الليل، جمع سحر: وهو الوقت الذي يختلط فيه ظلام آخر الليل بضياء النهار.