الآية رقم (5) - الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى

فالآية السّابقة أعطتْنا مظهراً من مظاهر العطف والرّحمة، وهذه تعطينا مظهراً من مظاهر القَهْر والغَلَبة، واستواء الرّحمن تبارك وتعالى على العرش يُؤخَذ في إطار: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾[الشّورى: من الآية 11]، وسبق أن تكلّمنا في الصّفات المشتركة بين الله سبحانه وتعالى وبين خَلْقه، فلَنا سمعٌ وبصر، ولله عزَّ وجلَّ سمعٌ وبصر، لكن إيّانا أنْ نظنّ أنّ سمع الله سبحانه وتعالى كسمْعنا، أو أنّ بصره كبصرنا، كذلك في مسألة الاستواء على العرش، فللحقِّ سبحانه وتعالى استواء على عرشه، لكنّه ليس كاستواء الإنسان على الكرسيّ مثلاً.

والعرش في عُرْف العرب هو سرير الـملك، فهو استتباب الأمر، والله سبحانه وتعالى خلق الكون بأرضه وسمائه، وخلق الخَلْق، وأنزل القرآن الكريم لينظّم حياتهم، ولم يترك الكون يعمل ميكانيكيّاً، ولم ينعزل عن كَوْنه وعن خَلْقه؛ لأنّهم في حاجة إلى قيّوميّته تعالى في خَلْقه، فكوْنُ الله سبحانه وتعالى ليس آلةً تعمل من تلقاء نفسها، وإنّما هو قائم بقيّوميّته عليه لا يخرج عنها؛ لذلك كانت المعجزات الّتي تخرق نواميس الكون دليلاً على هذه القيّوميّة.

«الرَّحْمنُ» مبتدأ

«عَلَى الْعَرْشِ» متعلقان باستوى

«اسْتَوى» ماض والجملة خبر المبتدأ

 

{عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} قال أبو عبيدة: علا. قال: وتقول استويت فوق الدابة، واستويت فوق البيت.
وقال غيره: استوى: استقر. واحتج بقول الله عز وجل: {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ}  أي استقررت في الفلك.
وقوله: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} أي انتهى شبابه واستقر، فلم يكن في نَبَاتِه مَزِيد.