﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ ﴾: فالحقّ تعالى أعلم بحال هؤلاء الكافرين وأعلم بحالك وحال المؤمنين معك، فهم مشركون ضالّون قد استحوذ عليهم الشّيطان، أمّا محمّد ﷺ وأصحابه فمؤمنون مهتدون، فربّك يا محمّد هو أعلم بمن ضلَّ عن سبيله كضلال كفّار قريش عن دين الله عز وجل وطريق الهدى، وهو تعالى أعلم بمن اهتدى فاتّبع الحقّ كما اهتديت أنت فاتّبعت الحقّ.
﴿بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾: مَن ضلّ عن سبيله هو الّذي ضلّ عن طريقه وعن منهجه عز وجل، فاتّخذ منهجاً غير منهج الله عز وجل، ومشى في الضّلالة بعيداً عن الهدى وعن دين الله عز وجل؛ أي: أنّه تاه في الدّنيا فأصبح وليّاً للشّيطان وابتعد عن طريق الله تعالى المستقيم، هذا هو الضّالّ، وهو إنّما ضلّ عن سبيله، فغاية الإسلام أن تتّبعوا السّبيل الّذي حدّده الله عز وجل لنا؛ لأنّ سبيل الله تعالى هو الموصل حقيقةً للغاية الّتي نبتغيها، فسبلكم أنتم لا توصلكم لله عز وجل؛ لأنّكم حدّدتموها بغاياتكم أنتم، أمّا االله تعالى فقد حدّد السّبيل بغايته، فمن أراد أن يصل إليه عز وجل فليتّبع سبيله ومنهجه تعالى ليهتدي.
وكلمة السّبيل أمرٌ حسّيّ، والحقّ تعالى يستعمله ليدلّنا على المعنى العقديّ والمعنويّ، فيوضّحه لنا بأمرٍ حسّيّ أمامنا، وعندما يوجد أحدنا في مفترق طرق ويريد أن يصل إلى المنطقة الفلانيّة فانحرافه بمقدار ملليمتر واحد في بداية الطّريق يُبعده عن الهدف، وكلّما امتدّ به السّير اتّسع المشوار وبعدت المسافة، فيتوه، لذلك قال تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام: من الآية 153]، والحقّ تعالى إنّما يهدي لطريق الحقّ والهدى بالقرآن الكريم، فالرّسول ﷺ نور، والكتاب مُبيّن للحقّ والهدى، ثمّ تأتي المكافأة، الهداية إلى سبل السّلام، وسبل السّلام متعدّدة، فهناك سلامٌ مع النّفس، وسلامٌ مع الأسرة، وسلامٌ مع المجتمع، وسلامٌ مع الأمّة، وسلامٌ مع العالم، وسلامٌ مع الكون كلّه، لذلك فالحقّ تعالى يحذِّر رسول الله ﷺ من إطاعة هؤلاء الضّالّين المكذّبين، فيقول تعالى: