الآية رقم (17) - إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ

هذه فئات ستّ أخبر الله سبحانه وتعالى عنها بقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾، ومعنى الفصل بينهم أنّ بينهم خلافاً ومعركة، ولو تتبّعتَ الآيات الّتي ذكرت هذه الفئات تجد أنّ هناك آيتين، واحدة في البقرة وواحدة في المائدة، يقول سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة]، وفي المائدة يُقدِّم الصّابئين على النّصارى، يقول جلَّ جلاله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾[المائدة].

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾: أي: بمحمّد عليه السّلام.

﴿وَالَّذِينَ هَادُوا﴾: أي: اليهود، ثمّ النّصارى وهما قبل الإسلام.

﴿وَالصَّابِئِينَ﴾: الصّابئون: جماعة كانوا على دين إبراهيم عليه السّلام، ثمّ عبدوا الكواكب فَسُمُّوا الصّابئة لخروجهم عن الدّين الحقّ.

﴿وَالْمَجُوسَ﴾: هم عبدة النّار.

﴿وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾: هم المشركون عَبَدة الأصنام والأوثان.

أمّا التّقديم والتّأخير بين النّصارى والصّابئين، قال العلماء: لأنّ النّصارى فرقة كبيرة معروفة ولهم نبيّ، أمّا الصّابئة فكانوا جماعة خرجوا على نبيّهم وخالفوه، وأتَوْا بعقيدة غير عقيدته، فهم قلَّة، لكن سبقوا النّصارى في التّرتيب الزّمنيّ؛ لذلك حين يراعي السَّبْقَ الزّمنيّ يقول كما في هذه الآية: ﴿وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى﴾، وحين يراعي الكثرة والشّهرة، يقول: ﴿وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ﴾ [البقرة: من الآية 62]، فكلٌّ من التّقديم أو التّأخير مُراد لمعنى مُعيَّن، أمّا قوله: ﴿وَالصَّابِئُونَ﴾ [المائدة: من الآية 69]، بالرّفع على خلاف القاعدة في العطف، حيث عطفت على منصوب، والمعطوف تابع للمعطوف عليه في إعرابه، فلماذا وسَّط مرفوعاً بين منصوبات؟ قال العلماء: لا يتمّ الرّفع بين المنصوبات إلّا بعد تمام الجملة، فكأنّه قال: (إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والنّصارى، والصّابئون كذلك)، فعطف هنا جملة تامّة، فهي مُؤخَّرة في المعنى، مُقدَّمة في اللّفظ، وهكذا تشمل الآية التّقديم والتّأخير السّابق، لكن، كيف ينشأ الخلاف بين الأديان؟ ينشأ الخلاف من أنّ قوماً يؤمنون بإله ويؤمنون بالنّبيّ المبلِّغ عن هذا الإله، لكنّهم يختلفون على أشياء فيما بينهم، كما نرى الخلاف مثلاً بين المعتزلة وأهل السُّــنّة، أو الجبريّة والقدريّة، فجماعة تثبت الصّفات، وآخرون يُنكرونها، جماعة يقولون: الإنسان مُـجْبَر في تصرّفاته، وآخرون يقولون: بل هو مختار، وقد ينشأ الخلاف بين الأديان للاختلاف في النّبوّات، فأهل الدّيانات يؤمنون بالإله الفاعل المختار، لكن يختلفون في الأنبياء.. وهكذا، والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ﴾[الشّورى: من الآية 13].

فهذه ستّة أمور مختلفة ذكرتهم الآية، فما حكم هؤلاء جميعاً بعد بعثة النّبيّ محمّد عليه الصّلاة والسّلام؟ نقول: أمّا المشركون الّذين عبدوا الأصنام، وكذلك الّذين عبدوا الشّمس والقمر، فهؤلاء كفّار ضائعون، أمّا أهل الكتاب الّذين يؤمنون بإله فاعل مختار، ويؤمنون بنبوّة صادقة، فشأنهم بعد ظهور الإسلام، أنّ الله سبحانه وتعالى أقام لهم حكم أهل الكتاب، فهذه الأمور يجب أن نفرّق فيها وتكون واضحة.

﴿إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾: فالله سبحانه وتعالى هو الّذي يتولّى الأمر، وهو الّذي يفصل بين الخلافات الّتي وردت، والفَصْل أن نعرف مَنِ المحقُّ ومَنِ المبطل، وهكذا جمعتْ الآيات بين حالة الاتّفاق وحالة الاختلاف وبيَّنَتْ أنّ الجزاء يكون من الله سبحانه وتعالى.

﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾: لأنّ الله سبحانه وتعالى هو الحكَم الّذي يفصل بين عباده، والحكم يحتاج إمّا إلى بيّنة أو شهود، والشّهود لا بُدَّ أن يكونوا عُدولاً، ولا يتحقّق العدل في الشّهادة إلّا بدِين يمنع الإنسان أنْ يميل عن الحقّ، فإن كان الحكم هو الله سبحانه وتعالى فلا حاجة لبيِّنة، ولا حاجةَ لشهود؛ لأنّه سبحانه يحيط علمه بكلّ شيء، ولا يعزب عن علمه مثقال ذرّة في السّموات ولا في الأرض، ومن العجيب أنّ الحُكْم والفَصْل من الحقّ سبحانه وتعالى يشمل السلطات كلّها: التّشريعيّة والقضائيّة والتّنفيذيّة، فحُكْمه سبحانه وتعالى لا يُؤجَّل ولا يُتحّايل عليه، ولا تضيع فيه الحقوق كما تضيع في سراديب وأدراج المكاتب، أمّا حُكْم البشر فينفصل فيه التّشريع عن القضاء عن التّنفيذ، فربّما صدر الحكم وتعطَّل تنفيذه، أمّا حكم الله جلَّ جلاله فنافذ لا يُؤجِّله شيء، فالمسألة لن تمرَّ هكذا، بل هي محسوبة لنا أو علينا.

«إِنَّ» حرف مشبه بالفعل

«الَّذِينَ» اسم موصول اسم إن

«آمَنُوا» ماض وفاعله والجملة صلة

«وَالَّذِينَ» معطوفة على الذين قبلها

«هادُوا» معطوف على ما سبق وإعرابه مثله

«وَالصَّابِئِينَ» هم عبدة الكواكب معطوف على اسم إن منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم

«وَالنَّصارى» معطوف على الذين وهو منصوب مثله بالفتحة المقدرة على الألف للتعذر

«وَالْمَجُوسَ» معطوف على ما قبله

«وَالَّذِينَ» اسم موصول محله النصب مثل ما عطف عليه

«أَشْرَكُوا» ماض وفاعله والجملة صلة

«إِنَّ اللَّهَ» إن ولفظ الجلالة اسمها

«يَفْصِلُ» مضارع مرفوع والفاعل مستتر والجملة خبر

«بَيْنَهُمْ» ظرف مكان متعلق بيفصل والهاء مضاف إليه

«يَوْمَ» ظرف زمان متعلق بيفصل

«الْقِيامَةِ» مضاف إليه وجملة إن الله إلخ في محل رفع خبر إن الأولى

«إِنَّ اللَّهَ» لفظ الجلالة اسم إن

«عَلى كُلِّ» متعلقان بالخبر

«شَيْءٍ» مضاف إليه

«شَهِيدٌ» خبر إن المرفوع والجملة استئنافية لا محل لها.