الآية رقم (2) - إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ

﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ ﴾: أي أنّ القرآن الكريم قد تعدّى كونه مكنوناً في اللّوح المحفوظ ليُباشر مهمّته في الوجود مع رسول الله ﷺ مفرّقاً ليُعالج كلّ المسائل الّتي تعرّض لها المسلمون، والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ﴾ {الإسراء: من الآية 105}؛ أي أنّ الحقّ سبحانه وتعالى أنزله من اللّوح المحفوظ إلى السّماء الدّنيا ثمّ أنزله مفرّقاً ليُعالج الأحداث ويُباشر مهمّته في الوجود الواقعيّ.

﴿قُرْآنًا﴾: مرّةً يصفه سبحانه وتعالى بأنّه قرآنٌ بمعنى المقروء، ومرّة يصفه بأنّه كتابٌ مسطورٌ كالآية السّابقة: ﴿تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ﴾، وهذا من معجزات التّسمية.

﴿عَرَبِيًّا﴾: هو قرآنٌ عربيٌّ، وقد جعل الله سبحانه وتعالى اللّغة العربيّة وعاءً لكلامه الكريم، فإنّ فيها من الإمكانات والميّزات ما لا تجده في أيّة لغةٍ من لغات الأرض، ولن تستطيع أن تفهم القرآن الكريم إلّا إذا فهمت فقه اللّغة العربيّة، فالجملة لها معنىً، والكلمة لها معنىً، فمثلاً كلمة: (عين) تُطلق على عين الماء، وعلى الجاسوس، وعلى العين الّتي نرى بها، فالكلمة الواحدة تعطي عدّة معانٍ، وكذلك فإنّ الحركة الإعرابيّة في اللّغة تُغيّر المعنى تمامًا، فهناك كثيرٌ من الأمور في اللّغة العربيّة، ولا بدّ من الاهتمام بها وتعلّمها؛ لأنّها لغة القرآن الكريم، يقول ﷺ: «أحبّوا العرب؛ لأنّي عربيٌّ، والقرآن عربيٌّ، وكلام أهل الجنّة عربيٌّ»([1])، وهذا ليس تعصّباً، وإنّما هي حقائق، واللّغة العربيّة محفوظةٌ بالقرآن الكريم، فلولا القرآن الكريم لانتهت اللّغة العربيّة من الوجود، ولن يستطيع أحدٌ أن يتصدّى لفهم وتفسير القرآن الكريم إذا لم يكن متبحِّراً في اللّغة العربيّة وفي فقهها.

﴿لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾: يستنهض الله سبحانه وتعالى همّة العقل ليُفكّر في الأمر، والمنصف في الحقّ يهمّه أن يستقبل النّاس ما يعرضه عليهم بالعقل بعكس الـمُدلّس الّذي يهمّه أن يستر العقل جانباً، فهو لن يدعوك للتّفكير بعقلك، لكنّ ديننا هو دين العقل.

([1]) شعب الإيمان: باب في حبّ النّبيّ :، الحديث رقم (1433).

«إِنَّا»: إن واسمها.

«أَنْزَلْناهُ»: ماض وفاعله ومفعوله الأول.

«قُرْآناً»: مفعول به ثان أو حال.

«عَرَبِيًّا»: صفة والجملة استئنافية.

«لَعَلَّكُمْ»: لعل واسمها والجملة تعليل لا محل لها.

«تَعْقِلُونَ»: مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل والجملة خبر.

أَنْزَلْناهُ: أي الكتاب الذي فيه قصة يوسف.

قُرْآناً عَرَبِيًّا: مجموعا بلغة العرب، وسمي بعض القرآن قرآنا لأن القرآن اسم جنس، يقع على كله وبعضه، وصار علما للكل بالغلبة.

لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ: علة لإنزاله بهذه الصفة، أي أنزلناه مجموعا أو مقروءا بلغتكم كي تفهموه وتحيطوا بمعانيه.