الآية رقم (23) - إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ

نلحظ أنّ الآيات تحدّثتْ عن حَدِّ القذف وما كان من حادثة الإفك، ثمّ ذكرت آية العتاب لأبي بكر رضي الله عنه في مسألة الرّزق والإنفاق على مسطح، ثمّ عاد السّياق إلى القضيّة الأساسيّة: قضيّة القذف؛ أي: اتّهام المحصنات، والكلام بالأعراض، حفاظاً على المجتمعات، فلماذا دخلتْ مسألة الرّزق في هذا الموضوع؟ قالوا: لأنّ كلّ معركة فيها خصومة قد يكون لها آثار تتعلّق بالرّزق، والرّزق تكفَّل الله تعالى به لعباده؛ لأنّه جلَّ جلاله هو الّذي استدعاهم إلى الوجود، سواء المؤمن أم الكافر، وحين تعطي المحتاج فإنّما أنت مناول عن الله عزَّ وجلَّ، ويد الله تعالى الممدودة بأسباب الله عزَّ وجلَّ، والحقّ تبارك وتعالى يحترم ملكيّة الإنسان مع أنّه تعالى رازقه ومعطيه، لكن ما دام أعطاه صار العطاء مِلْكاً له، فإنْ حَثَّه على النّفقة بعد ذلك يأخذها منه قَرْضاً؛ لذلك يقول تعالى: ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ [البقرة: من الآية 245]، فإنْ أنفق الموسر على المعسر جعله الله جلَّ جلاله قَرْضاً، وتولّى سداده بنفسه؛ ذلك لأنّ الله تعالى لا يرجع في هِبَته، يقول تعالى: ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾﲿ [محمّد: من الآية 38]، وفي موضع آخر يقول عن الأموال: ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬﲭ [محمّد]، ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ [البقرة: من الآية 238]، وقد ذُكِرَتْ وسط مسائل تتعلّق بالعِدَّة والكفّارة، وعِدَّة المتوفَّى عنها زوجها، فما علاقة الصّلاة بهذه المسائل؟ قالوا: لأنّ النّزاعات الّتي تحدث غالباً ما تُغيِّر النّفس البشريّة وتثير حفيظتها، فإذا ما قمتَ للوضوء والصّلاة تهدأ نفسك وتطمئنّ، وتستقبل مسائل الخلاف هذه بشيء من القبول والرّضا. نعود إلى قوله تعالى:

﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ﴾: المحصنة: لها معانٍ ثلاثة، فهي المتزوّجة؛ لأنّ الإحصان: الحِفْظ، وكأنّها حفظتْ نفسها بالزّواج، أو هي العفيفة، وإنْ لم تتزوّج فهي مُحْصَنة في ذاتها، والمحصنة هي أيضاً الحرّة؛ لأنّ عمليّة البِغَاء والزّنا كانت خاصّة بالإماء.

﴿الْغَافِلَاتِ﴾: جمع غافلة، وهي الّتي لا تدري بمثل هذه المسائل، وليس في بالها شيء عن هذه العمليّة، ثمّ يذكر ربّنا تعالى جزاء هذه الجريمة:

﴿لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾: اللّعْن: هو الطّرد والإبعاد من رحمة الله عزَّ وجلَّ، وأيضاً الطّرد والإبعاد عن حظيرة المؤمنين؛ لأنّ القاذف حكمه أنْ يُقام عليه الحدُّ، ثمّ تسقط شهادته، ويسقط اعتباره في المجتمع الّذي يعيش فيه، فجمع الله تعالى عليه الخزي في الدّنيا بالحدِّ وإسقاط الاعتبار، إلى جانب عذاب الآخرة، فاللّعن في الدّنيا لا ينجيه من عذاب الآخرة.

﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾: العذاب: إيلام حَيٍّ، وقد يُوصَف العذاب مرّة بأليم، ومرّة بمهين، ومرّة بعظيم، هذه الأوصاف تدور بين العذاب والمعذَّب، فمن النّاس مَنْ لا يؤلمه الجَلْد، لكن يُهينه، فهو في حقّه عذاب مهين لكرامته، أمّا العذاب العظيم فهو فوق ما يتصوَّره المتصوِّر.

«إِنَّ الَّذِينَ» إن واسم الموصول اسمها

«يَرْمُونَ» مضارع والواو فاعل والجملة صلة

«الْمُحْصَناتِ» مفعول به منصوب بالكسرة لأنه جمع مؤنث سالم

«الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ» صفات للمحصنات

«لُعِنُوا» ماض مبني للمجهول والواو نائب فاعل والجملة خبر إن

«فِي الدُّنْيا» متعلقان بلعنوا

«وَالْآخِرَةِ» معطوف على الدنيا

«وَلَهُمْ» الواو عاطفة ومتعلقان بالخبر المقدم

«عَذابٌ» مبتدأ مؤخر

«عَظِيمٌ» صفة والجملة معطوفة