﴿إِنَّكَ لَا تُسۡمِعُ ٱلۡمَوۡتَىٰ﴾: المعنى: لا تحزن يا محمّد، ولا تُهلك نفسك على هؤلاء الّذين لم يؤمنوا من قومك، فما عليك إلّا البلاغ، والبلاغ كلام له أداة استقبال في السّامع هي الأُذُن، فأنت عليك أن تبلّغهم وأن توصل إليهم رسالة السّماء، لكن إذا تعطّلت هذه الأداة فهم كالموتى لا يسمعون أصابهم الصّمم، فكلّ هذه الآيات لا يرونها ولا يسمعونها، وليت الأمر يقف بهم عند حدّ الصّمم، وإنّما يولّون مدبرين عن سماع الدّعوة، وهذه مبالغة منهم في الانصراف عن دعوة الحقّ؛ لأنّهم إن جلسوا فلن يسمعوا، فما بالك يا محمّد إذا ولّوا مدبرين يجرون بعيداً، وكأنّ الواحد منهم يخاف أن يزول عنه الصّمم وتلتقط أُذُنه نداء الله تعالى، فيستميله النّداء، وعندها تكون مصيبته كبيرة -على حَدِّ زعمهم-، وهذا دليل على أنّهم يعلمون أنّه حقّ، وأنّهم لو صَغَوْا إليه لاتّبعوه، ألم يقولوا: ﴿لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾ [فصّلت: من الآية 26]؛ ذلك لأنّ للقرآن الكريم جلالاً وجمالاً يأسِرُ الألباب، لذلك نَهَوْا عن سماعه، ودَعَوْا إلى التّشويش عليه، حتّى لا ينفذ إلى القلوب.