﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ﴾: أي: اذكر يا محمّد، إذ قال إبراهيم لأبيه وقومه.

﴿لِأَبِيهِ﴾: وسبق أنْ تحدّثنا في معنى (أبيه) هنا، وقلنا: المراد عَمُّه، بدليل قوله سبحانه وتعالى في موضع آخر: ﱣﱅ ﱆﱢ [الأنعام: من الآية 74]، وحين يطلق الاسم مع الأب فمعنى هذا أنّه العمّ، المهمّ أنّه يدعو أقرَب النّاس إليه أبيه أو عمّه.

﴿مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ﴾: كان سيّدنا إبراهيم عليه السّلام في عصر عبادة الأصنام والتّماثيل.

﴿التَّمَاثِيلُ﴾: جمع تمثال، وهو مأخوذ من مِثْل أو مَثَل، ومِثْل الشّيء يعني: شبيهه ونظيره، وكانوا يعمدون إلى الأشياء الّتي لها جِرْم ويُصوِّرونها على صورة أشياء مخلوقة لله سبحانه وتعالى، كصورة الإنسان أو الحيوان، من الحجر أو الحديد أو الخشب أو غيرها ويُسمُّونه تمثالاً، ويُقيمونه ليعبدوه، ويبالغون في ذلك: فهذا من الحجر، وهذا من المرمر، وهذا صغير، وهذا كبير، فإبراهيم عليه السّلام يقول مستنكراً لأبيه وقومه: ﴿مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ﴾؟ فالاستفهام هنا على غير حقيقته، فهو استفهام إنكاريّ يحمل لهجة الاستهزاء والسّخرية والتّقريع، ولا بدّ أنّه ألقى عليهم هذا السّؤال بشكلٍ يُوحي بهذا التّقريع.

﴿لَهَا عَاكِفُونَ﴾: وقد وقف المفسِّرون عند اللّام في قوله سبحانه وتعالى: ﴿لَهَا عَاكِفُونَ﴾، مع أنّ المعنى: يعكفون على عبادتها، كما جاء في آيةٍ أخرى: ﴿فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ﴾[الأعراف: من الآية 138]، وهنا جاءت باللّام؛ لذلك قال بعضهم: (اللّام) هنا بمعنى: (على)، فلماذا عدَل عن (على) إلى (اللّام)؟ ولو تنبَّهنا إلى معطيات الألفاظ: ﴿لَهَا عَاكِفُونَ﴾ نقول: الاعتكاف: هو الإقامة، فلان عاكف في المسجد، يعني: على الإقامة في المسجد، فكلمة عاكفون وحدها تعطي معنى: (على)؛ أي: لمصلحة هذه الآلهة، أمّا اللّام فلشيء آخر، اللّام هنا لام الملكيّة والنّفعيّة، وذكروا لها مثالاً آخر في قوله سبحانه وتعالى: ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ﴾[الأنبياء: من الآية 104]، السِّجل هو: القرطاس والورق الّذي نكتب فيه، ومنه قولهم: نُسجِّل كذا، يعني: نكتبه في السِّجلّ أو الورق ليُحفَظ، ومعنى: ﴿لِلْكُتُبِ﴾ يعني: الشّيء المكتوب، فكأنّ المعنى: نطوي الورق على ما كُتِب فيه.