الآية رقم (10) - أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ

﴿أُولَئِكَ﴾: يعني: أصحاب الصّفات المتقدّمة، وهم ستّة أصناف:

1- ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾.

2- ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾.

3- ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ﴾.

4- ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ﴾.

5- ﴿إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾.

6- ﴿ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾.

﴿الْوَارِثُونَ﴾: هؤلاء هم الوارثون، والإرْث: أَخْذ حقّ من غير عقد أو هبة؛ لأنّ أَخْذ مال الغير لا بُدَّ أن يكون إمّا ببيع وعقد، وإمّا هبة من صاحب المال، لذلك سألوا الوارث: أهذا حقّك؟ قال: نعم، قالوا: فما صكُّك عليه؟ يعني: أين العقد الّذي أخذته به؟ قال: عقدي وصَكّي: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾[النّساء: من الآية 11]، فهو عقد أوثق وأعلى من تعاقد البشر، وما دام عقدي من الحقّ تعالى فلا تقُلْ: إنّ الميراث مأخوذ بغير عقد؛ لأنّه قائم على أوثق العقود، وهو العقد من الله تبارك وتعالى، وكثيراً ما يخرج النّاس في مسألة الميراث عمّا شرع الله تعالى حُبّاً في المال واستئثاراً به، أو بخلاً على مَنْ جعل له الشّرع نصيباً، فمَنْ كان عنده البنون والبنات يُعطي البنين ويحرم البنات، ومَنْ كان عنده بنات يكتب لهُنَّ ما يملك حتّى يحرم أعمامهم من حقّهم في ماله، وهذا كثيراً ما يحدث في المجتمع، لذا يجب علينا أن نتنبّه لمسألة الميراث، ونحترم شرع الله تعالى فيه، فقد وهبنا الله جلَّ جلاله المال وتركنا نتصرّف فيه طوال حياتنا، وليس لنا أن نتصرّف فيه أيضاً بعد موتنا، علينا أنْ ندعَ المال لواهبه يتصرّف فيه؛ لذلك قال الله تعالى عن الإرث: ﴿فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ﴾[النّساء: من الآية 11]، يعني: ليست من أحد آخر، وما دامت فريضة من الله تعالى فعلينا أنْ نمتثل لها وننفّذها، وحين نتأبَّى عليها فإنّنا نتأبَّى على الله جلَّ جلاله، ونرفض قِسْمته.

والمتأمّل في مسألة الإرث يجد الخير كلّ الخير فيما شرّعه الله عزَّ وجلَّ، ومَنْ كان يحبّ البنين فليُعْط البنات حتّى لا يُفسد علاقة أولاده من بعده بين بعضهم بعضاً، ويأتي إلينا بعض الرّجال الّذين أخذوا مال أبيهم كلّه، وحَرَموا منه البنات، يقولون: نريد أن نُصحِّح هذا الخطأ، ونُعيد القسمة على ما شرع الله تعالى، ونجد عند بعض النّاس إشراقات إيمانيّة، فإنْ رفض بعض الإخوة إعادة التّقسيم على شرع الله عزَّ وجلَّ، يقول: أنا أتحمّل ميراث أخواتي من مالي الخاصّ، ومثل هؤلاء يفتح الله تعالى عليهم، ويبارك لهم فيما بقي؛ لأنّهم جعلوا اعتمادهم على الله عزَّ وجلَّ فيزيدهم من فضله، ويُربي لهم القليل حتّى يصير كثيراً، أمّا مَنِ اعتمد على ما في يده فإنّ الله تعالى يكِلُه إليه.

ونعجب من الّذي يجعل ماله للبنات ليحرم منه إخوته، نقول له: أنت لستَ عادلاً في هذا التّصرّف، يجب أن تعاملهم بالمثل، فلو تركت بناتك فقراء لا مال لهنّ، فمَنْ يعولهُنَّ ويرعاهنّ من بعدك؟ يعولهنّ الأعمام، فلتكُنْ معاملة بالمثل، والحقّ تعالى حين يُوَرِّث هذه الأصناف يورّثهم بفضله وكرمه، وقد بيَّن النّبيّ ﷺ ذلك بقوله: «لَنْ يُنْجِيَ أَحَداً مِنْكُمْ عَمَلُهُ»، قَالَ رَجُلٌ: وَلَا إِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «وَلَا إِيَّايَ، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللهُ مِنْهُ بِرَحْمَةٍ»([1]).

(([1] صحيح مسلم: كتاب صِفَةِ القِيَامَةِ وَالجَنَّةِ وَالنَّارِ، بَابُ لَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ الجَنَّةَ بِعَمَلِهِ بَلْ بِرَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى، الحديث رقم (2816).

«أُولئِكَ» اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ والكاف للخطاب

«هُمُ» مبتدأ

«الْوارِثُونَ» خبر مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والجملة خبر أولئك وجملة أولئك  مستأنفة

 

أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ قال مجاهد: هو البستان المخصوص بالحسن، بلسان الرّوم.