الآية رقم (46) - أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ

﴿ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ ﴾: التّقلّب: الانتقال من حالٍ إلى حالٍ، أو من مكانٍ إلى مكانٍ، والانتقال من مكان الإقامة إلى مكانٍ آخر دليلُ القوّة والمقدرة، حيث ينتقل الإنسان من مكانه حاملاً متاعه وعَتَاده وجميع ما يملك؛ لينشئ له حركةَ حياةٍ جديدة في مكانه الجديد، ولا شكَّ أنّ هذا مظهرٌ من مظاهر العزّة والجاه والثّراء لا يقوم به إلّا القويّ، ولذلك قال سبحانه وتعالى عن أهل سبأ: ﴿ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ ﴾ [سبأ: الآية 18 – من الآية 19]، فهؤلاء قومٌ جمع الله سبحانه وتعالى لهم ألواناً شتّى من النّعيم، وأمَّن أسفارهم، وجعل لهم محطّاتٍ للرّاحة أثناء سفرهم، ولكنّهم للعجب طلبوا من الله سبحانه وتعالى أن يُباعد بين أسفارهم، كأنّهم أرادوا أنْ يتميّزوا عن الضّعفاء غير القادرين على مشقّة السّفر والتّرحال، فقالوا: ﴿ بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا ﴾ [سبأ: من الآية 19]، حتّى لا يقدر الضّعفاء منهم على خَوْض هذه المسافات.. فالّذي يتقلَّب في الأرض دليلٌ على أنّ له من الحال حال إقامة وحال قوّة وقدرة على أن ينتقل ليقيم به في مكانٍ آخر؛ ولذلك قالوا: المال في الغربة وطنٌ، ومَنْ كان قادراً يفعل ما يريد، والحقّ سبحانه وتعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ ﴾ [آل عمران]، فلا يخيفنّك انتقالهم بين رحلتي الشّتاء والصَّيْف، فالله سبحانه وتعالى قادرٌ على أن يأخذَهم في تقلُّبهم.

وقد يُراد تقلّبهم في الأفكار والمكْر السّيّء بالرّسول صلى الله عليه وسلم وصحابته
-رضوان الله عليهم أجمعين- كما في قوله سبحانه وتعالى: ﴿ لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ ﴾ [التّوبة: من الآية 48]، فقد قعدوا يُخطّطون ويمكُرون ويُدبِّرون للقضاء على الدّعوة في مَهْدها.

﴿ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ ﴾: المعجز: هو الّذي لا يمكنك أنْ تغلبه، وهؤلاء لن يُعجِزوا الله سبحانه وتعالى، ولن يستطيعوا الإفلاتَ من عذابه؛ لأنّهم مهما بَيَّتوا فتبييتهم وكَيْدهم عند الله عز وجل، أمّا كيْد الله سبحانه وتعالى إذا أراد أنْ يكيد لهم فلن يشعروا به: ﴿ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ﴾ [الأنفال: من الآية 30]، وقال جل جلاله: ﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا ﴾ [الطّارق].

«أَوْ يَأْخُذَهُمْ» مضارع معطوف على ما قبله بالفتحة وفاعله مستتر والهاء مفعوله

«فِي تَقَلُّبِهِمْ» متعلقان بمحذوف حال

«فَما» الفاء عاطفة وما تعمل عمل ليس

«هُمْ» اسمها

«بِمُعْجِزِينَ» الباء زائدة معجزين خبر مجرور لفظا منصوب محلا والجملة معطوفة.