الآية رقم (7) - أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ

لَمَّا لم يُفلح الذّكر الـمُحْدث والآيات المتجدّدة مع هؤلاء المعاندين فلم يَرْعَوُوا، ردَّهم الله عزَّ وجلَّ إلى الآيات الكونيّة الظّاهرة لهم، والّتي سبقتهم في الوجود، آيات في السّماء: الشّمس والقمر والنّجوم، وآيات في الأرض: البحار والقفار والجبال والنّبات والحيوان، وكلّها آيات كونيّة لم يستطع أحد منهم أن يقول: إنّه خلقها، بل جاء الإنسان إلى الوجود وطرأ عليها.

﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ﴾: وهي آية ظاهرة أمام أعينهم، يروْنَها هامدة جرداء مُقْفرة، فإذا نزل عليها الماء أحياها الله عزَّ وجلَّ بالنّبات، ألم ينظروا إلى الجبال والصّحراء بعد نزول المطر، وكيف تكتسي ثوباً بديعاً من النّبات بعد فَصْل الشّتاء؟! ألم يسألوا أنفسهم: مَنْ نقل هذه البذور وبذرها في الجبال؟! لذلك يقول عزَّ وجلَّ في موضع آخر: ﴿وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ [الحجّ: من الآية 5]، وقوله عزَّ وجلَّ هنا:

﴿كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا﴾: كم: خبريّة تُفيد الكثرة، كما تقول لصاحبك: كم أحسنتُ إليك، بدل أنْ تُعدِّد مظاهر إحسانك إليه.

﴿مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ﴾: الزّوج: الصّنف، والزّوج أيضاً الذّكر أو الأنثى، وبعض النّاس من العامّة يظنّ أنّ الزّوج يعني الاثنين وهذا خطأ، فالزّوج واحد معه مثله، كما في قوله عزَّ وجلَّ: ﴿ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (143) وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [الأنعام: الآية 143- من الآية 144]، فهذه أربعة أصناف، فيها ثمانية أزواج، والحقّ عزَّ وجلَّ يقول: ﴿وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى﴾[النّجم]، وكذلك النّبات لا بُدَّ فيه من ذكورة وأنوثة، وإنْ كانت غير واضحة فيه كلّه، فهي واضحة مثلاً في النّخل، ففيه ذكر نُلقِّح منه الأنثى لتثمر، وكذلك شجرة الجميز منها ذكر وأنثى، لكن لم نَرَ ذكورة وأنوثة في أنواع أخرى، لماذا؟ قالوا: مرّة توجد الذّكورة والأنوثة في الشّيء الواحد كعود الذّرة مثلاً، قبل أنْ يُخرِج ثمرته تخرج سنبلة في أعلاه تحمل لقاح الذّكورة، وحينما تهزّها الرّيح يقع اللّقاح على (كوز) الذّرة، وتتمّ عمليّة التّلقيح، وقد تكون الذّكورة والأنوثة في شيء لا نعرفه، كالتّفاح مثلاً، فلم نعلم لها ذكراً وأنثى، لكنّ الحقّ عزَّ وجلَّ قال: ﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ﴾ [الحجر: من الآية 22]، وقال تعالى: ﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ﴾[الذّاريات: من الآية 49]. ثمّ وصف الزّوج بأنّه:

﴿كَرِيمٍ﴾: فماذا يعني الكرم هنا؟ قالوا: لأنّنا إذا أخذنا الثّمرة الواحدة ونظرنا وتأمّلنا فيها لوجدنا لها صفات متعدّدة ونِعَماً كثيرة، كما قال عزَّ وجلَّ: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾[إبراهيم: من الآية 34]، وهي نعمة واحدة بصيغة المفرد ولم يقل: نِعَم الله تعالى، لماذا؟ قالوا: لأنّ الحقّ تعالى يريد أن يلفتنا إلى أنّ كلّ نعمة واحدة لو استقصينا عناصرها وتكوينها لوجدنا في طيّاتها نِعَماً لا تُعَدُّ ولا تُحْصَى، فمعنى: ﴿كَرِيمٍ﴾؛ أي: كثير العطاء والخيرات.

«أَوَلَمْ» الهمزة للاستفهام والواو استئنافية ولم جازمة

«يَرَوْا» مضارع مجزوم بحذف النون والواو فاعل

«إِلَى الْأَرْضِ» متعلقان بيروا

«كَمْ» اسم استفهام في محل نصب مفعول به مقدم والجملة مستأنفة

«أَنْبَتْنا» ماض وفاعل والجملة سدت مسد مفعولي يروا

«فِيها» متعلقان بأنبتنا

«مِنْ كُلِّ» متعلقان بحال محذوفة

«زَوْجٍ» مضاف إليه

«كَرِيمٍ» صفة