الآية رقم (6) - أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ

انظروا إلى الأدلّة العلميّة الرّائعة: ﴿أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ﴾، هنا الرّؤية سيّدة الأدلّة، فهناك فرقٌ بين أن تسمع وبين أن ترى، فعندما تسمع قد يكون هناك إشكالٌ بالسّمع، أمّا أن ترى، فهذه حُجّةٌ ليس بعدها حُجّة، وليس مع العين أين، انتهى الأمر.

﴿أَلَمْ يَرَوْاْ﴾: الخطاب هنا للمشركين الّذين يذهبون برحلة الشّتاء والصّيف وهم يرون بأمّ أعينهم، فماذا يرون؟ الجواب: ﴿أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ﴾، القرن: هو مجموع السّنوات الّتي تجمع جيلاً كاملاً، وحُدّد القرن بمئة سنة كما هو متعارفٌ عليه، فالقرن جيلٌ يحكمه زمنٌ معيّنٌ، ﴿أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ﴾: انظروا إلى القرون السّابقة.

﴿مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ﴾: لقد مرّوا على آثار عادٍ قوم هود عليه السّلام، وآثار ثمود قوم صالح عليه السَّلام، وسبأ، ورأوا بأمّ العين ماذا جرى معهم، فهذه الآثار باقيةٌ وشاهدةٌ على تلك الأقوام.

أَلَمْ يَرَوْا: الهمزة للاستفهام، يروا مضارع مجزوم بحذف النون والواو فاعله والجملة مستأنفة لا محل لها

كَمْ: خبرية للتكثير مبنية على السكون في محل نصب مفعول به مقدم للفعل أهلكنا وقيل استفهامية مبنية على السكون.

أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ: فعل ماض تعلق به الجار والمجرور ونا ضمير متصل في محل رفع فاعل.

مِنْ قَرْنٍ: من حرف جر زائد. قرن اسم مجرور لفظا منصوب محلا على أنه تمييز كم وجملة كم أهلكنا سدت مسد مفعولي يروا أو مفعوله إن كانت يروا بصرية

مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ: فعل ماض تعلق به الجار والمجرور، ونا فاعله والهاء مفعوله والجملة في محل جر صفة لقرن.

ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ: ما نكرة تامة مبنية على السكون في محل نصب مفعول مطلق أي مكناهم شيئا من التمكين والأحسن إعرابها اسم موصول مبني على السكون في محل نصب صفة لمصدر محذوف مكناهم في الأرض التمكين الذي لم نمكنه لكم، نمكن مضارع تعلق به الجار والمجرور والجملة صلة الموصول لا محل لها على الوجه الثاني.

وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً: أرسلنا فعل ماض تعلق به الجار والمجرور عليهم ونا فاعله والسماء مفعوله. ومدرارا حال والجملة معطوفة على جملة مكناهم

وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ: الجملة معطوفة على ما قبلها

وجملة (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ): في محل نصب حال إن كانت جعلنا متعدية لمفعول واحد، وفي محل نصب مفعول به ثان إن كانت متعدية لمفعولين.

وجملة (فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ): معطوفة على جملة (مَكَّنَّاهُمْ) ومثلها جملة (وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً) معطوفة.

آخَرِينَ: صفة منصوبة بالياء لأنها جمع مذكر سالم.

أَلَمْ يَرَوْا: في رحلاتهم وأسفارهم إلى الشام واليمن وغيرهما.

مِنْ قَرْنٍ: أمّة من الأمم الماضية، والقرن من الناس: القوم الذين يعيشون في زمان واحد، ومدّته مائة سنة. وجمعه قرون، وقد جاء في القرآن مفرداً وجمعًا.

مَكَّنَّاهُمْ: أعطيناهم مكاناً بالقوة والسّعة، ومكّنه في الأرض أو في الشيء: جعله متمكّنًا من التّصرّف فيه.

ومكّن له: أعطاه أسباب العزّة والتّمكّن في الأرض مثل قوله تعالى: (وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ) [النور 24/ 55] ، وقوله: (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً) [القصص 28/ 57]

وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ: أي المطر النازل من السماء.

مِدْراراً: متتابعًا غزيرًا.

مِنْ تَحْتِهِمْ: تحت مساكنهم.

فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ: بتكذيبهم الأنبياء.

قَرْناً آخَرِينَ: أمّة أو جماعة آخرين.