الآية رقم (7) - أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ

﴿أَلَمْ تَرَ﴾: قيل: إنّها بمعنى: ألم تعلم؛ لأنّه يتكلّم عن أشياء لم يرها سيّدنا رسول الله ﷺ، كما في سورة الفيل: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ﴾[الفيل]، ورسول الله ﷺ لم ير هذه الحادثة، فقالوا: المراد: ألم تعلم، وهناك قول: إنّها بمعنى: (ترى)، ولو أراد الله سبحانه وتعالى العلم لقال: ألم تعلم، والحكمة من استخدام ترى هنا؛ ليدلّ على أنّ إخبار الله سبحانه وتعالى لرسوله ﷺ أصدق من رؤية عينه، فمجرّد أن يخبره ربّه سبحانه وتعالى يكون كأنّه رأى بعينه، لذلك قال: ﴿أَلَمْ تَرَ﴾.

﴿أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾: دلّ على إحاطة علم الله سبحانه وتعالى بكلّ شيء، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا یَعۡزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثۡقَالِ ذَرَّةࣲ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِی ٱلسَّمَاۤءِ وَلَاۤ أَصۡغَرَ مِن ذَ ⁠لِكَ وَلَاۤ أَكۡبَرَ إِلَّا فِی كِتَـٰبࣲ مُّبِینٍ﴾[يونس: من الآية 61]، فالله سبحانه وتعالى يعلم السّموات والأرض كظرف، ويعلم المظروف فيه، فالأرض في ذاتها عجيبة الخلق والتّكوين، وما فيها من مخلوقات أعجب منها، وقلنا: إنّ المظروف أنفس من المظروف فيه، وعلم الله سبحانه وتعالى لا يقتصر على المشاهد، بل يعلم ما غاب عنّا من ملكوت السّموات والأرض: ﴿وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾[هود: من الآية 123]، ومن إحاطة علمه سبحانه وتعالى:

﴿مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ﴾: فالله سبحانه وتعالى يعلم ما في السّموات وما في الأرض من مخلوقات، وقد يقول قائل: يعلمها لأنّها مخلوقاته وصنعة يده فقال: لا، بل ويعلم المحدثات والمستجدّات الّتي تحدث في كونه فقال: ﴿مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ﴾، والنّجوى من الأغيار، فهي سرّ بين ثلاثة فأكثر، فالنجوى لا تكون إلّا سرّاً نسترها عن الغير، لذلك قال: ﴿ثَلاثَةٍ﴾، فهي أوّل الأعداد الّتي يحتمل فيها النّجوى، وفي الحديث الشّريف قال ﷺ: «لَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ»([1])، فنجوى الاثنين تثير الشّكّ والرّيبة في نفس الثّالث، أمّا الحقّ سبحانه وتعالى فيعلم كلّ شيء فهو مُطَّلع على السّرائر.

﴿وَلا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا﴾: وهكذا استوعبت الآية الاحتمالات والأعداد جميعها.

﴿ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾: لأنّ الحفظة سجّلت عليهم أعمالهم، ويوم القيامة سيُعطى كلّ إنسان كتابه ليقرأ ما فيه ويكون شاهداً عليه، قال جل جلاله: ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴾[الإسراء].

([1]) سنن التّرمذيّ: أبواب الأدب، باب ما جاء لا يَتَنَاجَى اثنان دون ثالثٍ، الحديث رقم (2825).

«أَلَمْ تَرَ» الهمزة للاستفهام ومضارع مجزوم بلم والفاعل مستتر

«أَنَّ اللَّهَ» أن واسمها

«يَعْلَمُ» مضارع فاعله مستتر والجملة الفعلية خبر أن والمصدر المؤول من أن وما بعدها مفعول به والجملة الفعلية ألم تر.. استئنافية لا محل لها.

«ما» اسم موصول مفعول به

«فِي السَّماواتِ» صلة الموصول

«وَما فِي الْأَرْضِ» معطوفة على ما قبله.

«ما» نافية

«يَكُونُ» مضارع تام

«مِنْ نَجْوى» مجرور لفظا بمن الزائدة مرفوع محلا فاعل يكون

«ثَلاثَةٍ» مضاف إليه

«إِلَّا» حرف حصر

«هُوَ رابِعُهُمْ» مبتدأ وخبره والجملة حال والواو حرف عطف

«لا» نافية

«خَمْسَةٍ» معطوف على ثلاثة

«إِلَّا» حرف حصر

«هُوَ سادِسُهُمْ» مبتدأ وخبره والجملة حال،

«وَلا» الواو حرف عطف

«لا» نافية

«أَدْنى» معطوف على لفظ نجوى

«مِنْ ذلِكَ» متعلقان بأدنى

«وَلا أَكْثَرَ» معطوف على ولا أدنى

«إِلَّا» حرف حصر

«هُوَ مَعَهُمْ» مبتدأ وخبره والجملة حال

«أَيْنَ ما» ظرف مكان وما زائدة

«كانُوا» ماض تام وفاعله والجملة في محل جر بالإضافة

«ثُمَّ» حرف عطف

«يُنَبِّئُهُمْ» مضارع ومفعوله والفاعل مستتر والجملة معطوفة على ما قبلها

«بِما» متعلقان بالفعل

«عَمِلُوا» ماض وفاعله والجملة صلة ما،

«يَوْمَ» ظرف زمان

«الْقِيامَةِ» مضاف إليه

«أَنَّ اللَّهَ» إن واسمها

«بِكُلِّ» متعلقان بعليم

«شَيْءٍ» مضاف إليه

«عَلِيمٌ» خبر إن والجملة الاسمية استئنافية لا محل لها.

{نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ} … تَنَاجِي ثَلَاثَةٍ بِحَدِيثِ سِرٍّ.