الآية رقم (45) - أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ

﴿ أَفَأَمِنَ ﴾: عبارةٌ عن همزة الاستفهام الّتي تستفهم عن مضمون الجملة بعدها، أمّا الفاء بعدها فهي حَرْف عَطْف يعطف جملة على جملة، إذاً: هنا جملةٌ قبل الفاء تقديرها: أجهلوا ما وقع لمخالفي الأنبياء السّابقين من العذاب، أفأمِنُوا مكر الله عز وجل؟ أي: أنّ أَمْنهم لمكر الله سبحانه وتعالى ناشئٌ عن جهلهم بما وقع للمكَذِّبين من الأمم السّابقة.

﴿ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ ﴾: المكر: هو التّبييت الخفيّ للنّيْل ممَّنْ لا يستطيع الإنسان مجابهته بالحقّ ومجاهرته به، فأنت لا تُبيِّت لأحدٍ إلّا إذا كنت غير قادرٍ على مُصَارحته مباشرة، والمكر قد ينصرك على مُساويك وعلى مثلك من بني الإنسان، فإذا ما تعرّضْتَ لمن هو أقوى منك وأكثر منك حيطة، وأحكم منك مَكْراً، فربّما لا يُجدِي مكرُك به، بل ربّما غلبك هو بمكْره واحتياطه، فكيف الحال إذا كان من يمكرون به ويُحبط مكرهم هو الله سبحانه وتعالى؟! قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ [الأنفال: من الآية 30]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ﴾ [فاطر: من الآية 43]، فمكْر العباد مكشوفٌ عند الله عز وجل، أمّا مكْرُه سبحانه وتعالى بأن يُبطل مكرهم، ويدبّر لهم بالخفاء، فلا يقدر عليه أحدٌ، ولا يحتاط منه أحدٌ؛ لذلك كان الحقّ سبحانه وتعالى خَيْر الماكرين.

والمكْر السَّيء هو المكْر البطَّال الّذي لا يكون إلّا في الشّرّ، كما حدث من مَكْر المكذِّبين للرّسل -عليهم السّلام- على مَرِّ العصور، وهو أن تكيد للغير كيْداً يُبطل الحَقّ، وكلّ رسولٍ قابله قومُه المنكرون له بالمكر والخديعة، دليلٌ على أنّهم لا يستطيعون مواجهته مباشرةً، وقد تعرَّض الرّسول صلى الله عليه وسلم لمراحل متعدّدة من الكَيْد والمكْر والخديعة، وذلك لحكمة أرادها الحقّ سبحانه وتعالى، فقد بيَّتوا ودَبَّروا لقتله صلى الله عليه وسلم، وحَاكُوا في سبيل ذلك الخطط، وقد باءتْ خُطّتهم ليلة الهجرة بالفشل.

﴿ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ ﴾: الخسْف: هو تغييب الأرض ما على ظهرها، فانخسفَ الشّيء؛ أي: غاب في باطن الأرض، ومنه خُسوف القمر؛ أي: غياب ضَوْئه، ومن ذلك أيضاً قوله سبحانه وتعالى عن قارون: ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ﴾ [القصص: من الآية 81]، وهذا نوعٌ من العذاب الّذي جاء على صُورٍ متعدّدةٍ كما ذكرها القرآن الكريم: ﴿ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا ﴾  [العنكبوت: من الآية 40]، هذه ألوانٌ من العذاب الّذي حاقَ بالمكذّبين، وكان يجب على هؤلاء أن يأخذوا من سابقيهم عبرةً وعظةً، وأنْ يحتاطوا أن يحدث لهم كما حدث لسابقيهم.

﴿ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ ﴾: والمراد أنّهم إذا احتاطوا لمكْر الله جلّ وعلا وللعذاب الواقع بهم، أتاهم الله سبحانه وتعالى من وجهة لا يشعرون بها، ولم تخطُر لهم على بال، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ﴾ [الحشر: من الآية 2].

«أَفَأَمِنَ» الهمزة للاستفهام والفاء استئنافية وماض مبني على الفتح

«الَّذِينَ» موصول فاعل والجملة مستأنفة

«مَكَرُوا السَّيِّئاتِ» ماض وفاعله ومفعوله المنصوب بالكسرة بدلا عن الفتحة لأنه جمع مؤنث سالم والجملة صلة

«أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ» أن الناصبة ومضارع منصوب ولفظ الجلالة فاعله والأرض مفعوله والجار والمجرور متعلقان بيخسف وأن وما بعدها في تأويل مصدر في محل نصب مفعول به لأمن

«أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ» أو العاطفة ومضارع معطوف منصوب بالفتحة ومفعوله المقدم وفاعله المؤخر

«مِنْ حَيْثُ» حيث ظرف مكان مبني على الضم في محل جر ومتعلقان بيأتيهم

«لا يَشْعُرُونَ» لا نافية ومضارع مرفوع والواو فاعله والجملة مضاف إليه