الآية رقم (35) - وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ

هذه الجنّة ليست جنّة الخلد؛ لأنّ جنّة الخلد لا يُغادرها من دخلها، ولا تُرتَكب فيها المعاصي. وقد أسكن الله سبحانه وتعالى آدمَ وزوجه حوّاء في جنّة التّجربة، تجربة المنهج، وذكرت الآية بلفظ: ﴿الْجَنَّةَ، ولم يقل: إنّها (جنّة عدن)، و(جنّة الخلد)، ولا (جنّة الفردوس).

وكلمة (جنّ): تعني السّتر والخفاء، فالجنّة في اللّغة العربيّة هي حديقة، أو غابة محاطة بالأشجار الكثيفة الّتي تستر ما بداخلها.

يقول سبحانه وتعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ ]سبأ: من الآية 15[، ﴿إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ] القلم[، وفي سورة (الكهف): ﴿وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا  ]الكهف[، ولم تشر الآيات في القرآن على أنّ الجنّة الّتي سكنها آدم هي جنّة الخلد، بل هي جنّة من الجنان، حتّى يزوّد الله سبحانه وتعالى آدم وحوّاء ويدرّبهما على المنهج، وعلى الحياة في الأرض. وقد خلقهما أصلاً لسكنى الأرض فقال تبارك وتعالى: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ]البقرة: من الآية 30[، أمّا جنّة التّجربة فهي تدريب على الحياة في الأرض، وقد جعل فيها الحلال والحرام، والأمر والنّهي، فقال سبحانه وتعالى لهما: ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (اسكن: أمر)، (كُلا: حلال)، (ولا تقربا: نهي وحرام)، إذن هذا المنهج الّذي سينزل به إلى الأرض، هو المنهج الإلهيّ، وفيه: افعل ولا تفعل، حلال وحرام.

لماذا قال سبحانه وتعالى: ﴿أَنتَ وَزَوْجُكَ ولم يقل: زوجتك؟ ولماذا لم يُدخل على الكلمة تاء التّأنيث؟ الجواب: أنّ الإسلام سوّى بين الزّوجين، فهي زوجُه، وهو زوجها، وليعلم كلّ من يدّعي أنّ الإسلام ظلم المرأة ولم يعطها حقوقها أنّ كلّ شرائع السّماء الّتي كان آخرها الإسلام ساوت بين الرّجل والمرأة، فهما متساويان في التّكليف والمسؤوليّة، وقد قال سبحانه وتعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ]النّحل: من الآية 97[. وفي اللّغة العربيّة: زوجك تعني مثيلك، ومنه قوله سبحانه وتعالى: ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ ]الزّخرف[، وهذه هي المساواة، وهذه هي حقوق المرأة في الإسلام. أمّا الّذين ينادون بجهاد النّكاح وغيره من المصطلحات الّتي لا علاقة لها بدين ولا خلق ولا شريعة، فنحتكم وإيّاهم إلى القرآن الكريم، فنحن لا نلتزم إلّا بالقرآن، ولا نسير إلّا وراء القرآن.

وفي جنّة التّجربة جعل الله سبحانه وتعالى الحلال واسعاً جدّاً: ﴿وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا، وجعل الحرام محدوداً: ﴿وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ، وهذا ردٌّ على من يقول: (إنّكم أيّها المسلمون تحرّمون على أنفسكم متع الحياة ومباهجها)، فنقول لهم: الحلال في شرعنا واسع جدّاً، فلقد أباح لنا المشروبات كلّها: الماء، واللّبن، والعصائر، وغير ذلك كثير، وحرّم علينا شيئاً واحداً فقط وهو الخمر (وهو ما تغيّر من العصائر)، وأباح لنا كلّ الأطعمة: من لحوم الأنعام والدّجاج والسّمك والنّبات وغير ذلك، وحرّم علينا الميتة ولحم الخنزير. فالحلال كلّ شيء، والحرام مخصوص بشيء واحد، أو شيء صغير. وقد كان النّهي في جنّة التّجربة عن شيء واحد فقط: ﴿وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَفنهاهما عن شجرة واحدة فقط.

﴿وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ: الظّلم عادةً يقع من الإنسان لغيره، إلّا إذا قدّم لنفسه شهوة عاجلة، وحرمها من نعيمٍ آجل ودائم ومُقيم، فإنّه عند ذلك يكون ظالماً لنفسه. فالّذي يقدّم لنفسه شهوة عاجلة، كأن يشرب الخمر أو يزني أو يسرق أو يقامر أو يغتاب أو يكذب، فإنّه حقّق شيئاً من المتعة المؤقّتة، لكنّه في الحقيقة ظلم نفسه؛ لأنّه حرمها النّعيم السّرمديّ الأبديّ الدّائم في الجنّة، وسيكون ذلك وبالاً عليه وعلى ذريّته وأهله ووطنه ومجتمعه، فهذا هو الظّالم لنفسه ﴿فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ.

فمن يخالف أوامر الله سبحانه وتعالى فقد ظلم نفسه؛ لأنّ الله جلَّ جلاله هو خالق الإنسان ويعرف ما يصلح له، وكما أنّ الصّانع يجعل مع المنتَج كتيّباً يبيّن فيه طريقة الاستخدام الصّحيح لمنتجه، فإنّ الله سبحانه وتعالى وضع للإنسان المنهج الّذي يصلحه ويسعده.

وَقُلْنا: الجملة معطوفة على قلنا الأولى.

يا آدَمُ: منادى.

اسْكُنْ: فعل أمر والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت والجملة مقول القول.

أَنْتَ: ضمير منفصل في محل رفع توكيد للفاعل المستتر.

وَزَوْجُكَ: الواو عاطفة، زوجك اسم معطوف على الضمير المستتر، والكاف في محل جر بالإضافة.

الْجَنَّةَ: مفعول به.

وَكُلا: الواو عاطفة، كلا فعل أمر مبني على حذف النون لاتصاله بألف الاثنين، والألف فاعل. والجملة معطوفة على ما قبلها.

مِنْها: متعلقان بكلا.

رَغَداً: صفة لمفعول مطلق محذوف وتقديره كلا أكلا رغداً ويجوز إعرابه نائب مفعول مطلق.

رَغَداً: أكلاً واسعاً طيباً هنيئاً لا عناء فيه ولا حجر عليه.

هذِهِ الشَّجَرَةَ: أي بالأكل منها، وهي الحنطة أو الكروم أو غيرهما فَتَكُونا فتصيرا مِنَ الظَّالِمِينَ العاصين.

وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ: أي الأكل من ثمارها، فيه تعليق النهي بالقرب منها لقصد المبالغة في النهي عن الأكل.