﴿وَقُلِ اعْمَلُوا﴾: ديننا دين عملٍ وعلمٍ، والإيمان يحتاج إلى ترجمته بأخلاقٍ وأعمالٍ.
﴿فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾: عندما قال: ﴿فَسَيَرَى﴾ السّين للمستقبل، فتح أمامهم باب عملٍ، فالتّوبة تحتاج إلى الاعتراف بالذّنب وعدم الإصرار عليه، وتبديل العمل السّيّء بعملٍ صالحٍ، فقول الله سبحانه وتعالى :﴿فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ﴾ ؛ أي أنّ الله سبحانه وتعالى سيثيبكم على عملكم، أمّا بالنّسبة إلى رسول الله ﷺ والمؤمنين؛ فلأنّهم يحتاجون في المجتمع إلى أن يروا الأعمال الصّالحة كترجمانٍ للإيمان الّذي جاء به النّبيّ ﷺ، ودعوة النّبيّ ﷺ هي دعوة الخير للغير، وهي دعوة المحبّة والرّحمة والعطاء واليُسر، وليست دعوة التّشديد والعُسر والإيذاء للنّاس، والنّبيّ ﷺ يقول: «ما آمن بي من بات شبعانَ وجاره جائعٌ إلى جنبه وهو يعلم به»([1])، وغيره الكثير من الأحاديث والآيات. فالاتّهامات الّتي تُلصَق بالإسلام إنّما تُلصَق زوراً وبهتاناً والإسلام منها بريء.
﴿وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾: بما أنّه عالم الغيب فحتماً سيكون عالم الشّهادة، قلنا سابقاً: هناك غيبٌ مطلقٌ لا يعلمه إلّا الله سبحانه وتعالى ، وهناك غيبٌ نسبيٌّ قد يعلمه بعض النّاس ويخفى عن بعضٍ، وعندما يقول الله سبحانه وتعالى : ﴿عَالِمِ الْغَيْبِ﴾ فإنّه يؤكّد للنّاس بأنّه مطَّلعٌ على عالم الشّهادة كما هو مطَّلعٌ على عالم الغيب.
﴿فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾: عالم الغيب هو العالم الّذي سيكون عَقِب وفاة الإنسان والانتقال إلى حياة البرزخ، ومن ثمّ إلى الحياة الآخرة، والعمل كما قلنا: هو أساسٌ بالنّسبة إلى المسلم، وتعاليم الإسلام ليست ثقافةً ولا ترداداً لعباراتٍ وشعاراتٍ وكلماتٍ، وإنّما هي عقيدةٌ راسخةٌ معقودةٌ في القلب، فهي تحتاج إلى تصديقٍ بعملٍ، كما قال النّبيّ ﷺ: «الإيمان ما وقر في القلب وصدّقه العمل»([2]).
([1]) المعجم الكبير للطّبرانيّ: باب الألف، أنس بن مالك الأنصاريّ، الحديث رقم (751).
([2]) مصنّف ابن أبي شيبة: كتاب الإيمان والرّؤيا، باب منه، الحديث رقم (30351).