الآية رقم (102) - وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ

هذه الآية هي الوحيدة الّتي تتحدّث عن السّحر وأنّه كفر.. وعمَّا يتعلّق بعلومه، والحديث هنا عن اليهود من بني إسرائيل، وهم الّذين اتّبعوا ما تتلو الشّياطين على ملك سليمان عليه السَّلام في زمانه، لكنّه لم يقل: ما تلت الشّياطين، مع أنّ هذا الاتّباع كان في أيّام سليمان عليه السَّلام فقد جاء الفعل بصيغة المضارع ﴿تَتْلُواْكأنّ الشّياطين لا تزال تتلو؛ لأنّ كثيراً من اليهود ما زالوا يتّبعون ما تتلو الشّياطين. وكثيرٌ من اليهود لا يعتقدون أنّ سيّدنا سليمان عليه السَّلام نبيّ، ويقولون عنه: إنّه ليس بنبيّ. وسيّدنا سليمان هو ابن نبيّ الله داود عليه السَّلام، وقد طلب سليمان من ربّه مُلكاً لا ينبغي لأحد من بعده، فسخّر الله سبحانه وتعالى له الرّيح والطّير والجنّ وأَلانَ له الحديد، ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ]ص [، وهو نبيّ مَلِك، وكان الجنّ يعملون بأمره، فمن هم الجنّ؟ نحن نحترم كلّ العقول، ونخاطب كل عقل بشريّ وليس من آمن بالقرآن فحسب، وهذه نصوص لا شكّ فيها عند المؤمنين ولا اجتهاد، فهي قاطعة. أمّا غير المؤمنين فنشرح ونبيّن لهم ونحاورهم بما يقنع عقولهم حتّى نصل إلى العقيدة ونوصل إليهم الرّسالة الصّحيحة.

ونحن أهل العلم والمعرفة والإيمان، وفي القرن الحادي والعشرين نحاكم كلّ شيء بالعقل الّذي أعطانا الله إيّاه وكرّمنا به، وكلّ الآيات القرآنيّة دعت إلى التّفكير واستخدام العقل الّذي كرّم الله سبحانه وتعالى به البشر على سائر المخلوقات: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ  ]الإسراء: من الآية 70[، ويمتدح القرآن الكريم القوم الّذين يتفكّرون.

والسّؤال: هل هناك جنّ أم لا؟ ونجيب: ما المانع العلميّ لوجود الجنّ؟

بغضّ النّظر عن الاسم نحبّه أو لا نحبّه، وليس هناك أيّ مانع في أن يكون هناك مخلوقات من غير البشر لا نراها، ولو أتينا بمجهر لاكتشفنا وجود الجراثيم من حولنا، ولا يمكن إنكار وجود ما لا نراه. وفي هذا العصر توصّلنا للمجهر فكشفنا وجود الجراثيم وانتقال العدوى عن طريقها، فما المانع من وجود الجنّ؟ وهناك الكثير من المخلوقات لم تتوفّر لنا وسائل معرفتها وليس هناك معطيات حسّية للوصول إليها. وحين لا تتوفّر لنا معطيات الإدراك بالعقل نعلمها بالنّقل ونؤمن بها.

وقد أخبر القرآن الكريم عن الجنّ، وهي مخلوقات من نار سريعة الحركة، وقد عرفنا هذا عن طريق النّقل، وهو ما أخبر به الله ورسوله؛ لأنّنا لا نمتلك وسائل اكتشافها. هناك مجرّات بعيدة تبعد عنا آلاف السّنين الضوئيّة بل ملايين السّنين الضّوئيّة لا نملك بعد وسائل لاكتشافها، هل هذا يعني عدم وجودها؟ كذلك الجنّ إذا أخبرنا الله سبحانه وتعالىعنهم بالقرآن الكريم نؤمن بوجودهم؛ لأنّنا نؤمن عن عقيدة بأنّه كلام الله، والعقيدة تتكوّن بعد تفكير وتمحيص، وإخضاع لكلّ المعايير ثمّ تنتقل إلى القلب، فَيُعقدُ عليها، فتتحوّل إلى عقيدة، من هنا نحن نحترم عقائد النّاس؛ لأنّها مرّت على كلّ المعايير والمقاييس. ونحن نؤمن بالنّقل وهو القرآن والحديث، أي ما أخبر عنه الله ورسوله. والشّياطين هم المتمرّدون على منهج الله من جنّ أو من إنس. فهناك جنّ مؤمنون طائعون، وجنّ متمرّدون وهم الشّياطين.

وفي سورة (الجنّ) يقول سبحانه وتعالى على لسان الجنّ: ﴿وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَٰلِكَ ۖ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا     ]الجنّ[، وقال سبحانه وتعالى: ﴿شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ   ]الأنعام: من الآية 112[، والجنّ والإنس فقط لهم اختيار، أمّا الملائكة فليس لها الخيار ولا تعصي، وحين أمر الله تعالى الملائكة بالسّجود لآدم سجدوا، وتمرّد إبليس على أوامر الله وقال: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ ۖ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ]الأعراف: من الآية 12[، وقد تحدّث القرآن عن الجنّ، فنحن نؤمن بوجودهم، وكان الجنّ يسترقون السّمع قبل مبعث النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ثمّ مُنعوا من ذلك بعد مبعثه، وكان سليمان عليه السَّلام يسخّر الجنّ ويتعامل معهم، كما أخبرنا سبحانه وتعالى: ﴿وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ]سبأ: من الآية 12[، وليس هناك مانع عقليّ من التّواصل بين الإنس والجنّ، ولكن هناك مانع شرعيّ فهو محرّم علينا. وكان سليمان عليه السَّلام بُعِث إلى بني إسرائيل كما بعث داود وزكريّا ويحيى ويوشع واليسع وعيسى عليهم السَّلام إليهم. وكان الشّياطين يوحون إلى النّاس زخرف القول، ويعلّمونهم شعوذة معيّنة أخذ اليهود يتّبعونها، والسّحر كفر، ولم يكفر سليمان لكنّ الشّياطين كفروا؛ لأنّهم كانوا يعلّمون النّاس السّحر. فمن يتعامل بالسّحر فهو كافر، وهذا هو الحكم الشّرعيّ.

وهذه الآية فيها لمسة من غموض لتعلّقها بالسّحر، والسّحر كفر؛ لأنّ فيه ضرر وإضرار، يفرّق به بين المرء وزوجه، وقد أورد الله هنا عبارات في غاية الدّقّة. والسّحر من السَّحر وهو آخر وقت من اللّيل حيث يتداخل الوهم والخيال، فالسّحر نوعان:

النّوع الأوّل: وهمٌ وتخيّل، ومنه سحر العين وتضليلها كما حدث مع سحرة فرعون: ﴿يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ]طه: من الآية 66[،
﴿سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاس]الأعراف: من الآية 116[، وحبال سحرة فرعون وعصيّهم لا تسعى في الحقيقة، وإنّما العين تتخيّل الشّيء على غير واقعه، ﴿فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَىٰ (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا ۖ إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ ۖ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ ]طه[، ولـمّا ألقى موسى عصاه أُلقيَ السّحرة سجّداً؛ لأنّها تحوّلت إلى ثعبان حقيقيّ، وقال السّحرة: ﴿قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ]الأعراف[، وفي آية أخرى: ﴿فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ]طه[.

والنّوع الثّاني من السّحر: هو علم يضرّ ولا ينفع، ولا يكون إلّا عن طريق الجنّ.

وفي هذه الآيات يخاطب الله تعالى اليهود الّذين كانوا في زمن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ويخبرهم بما فعله أجدادهم فيقول لهم: ﴿وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وكان سيّدنا سليمان نبيّاً مَلِكاً وكان يسخِّر الجنّ بفضلٍ من الله سبحانه وتعالى، وقد اتّبع اليهود ما كانت الشّياطين تتلوه على ملك سليمان من الشّعوذات.

﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُواْ: كفر الشّياطين؛ لأنّهم كانوا يعلّمون السّحر، من هنا كان تعلّم السّحر وتعاطيه والعمل به كفر، أي ستر للإيمان، وقد ادّعى اليهود بأنّ سليمان كان يخفي كتب السّحر الّتي كان يسخّر بها الجنّ والرّيح تحت عرشه، والتي كانوا يعلّمون بها الشّعوذة والسّحر، وأنّهم استخرجوها بعد موته، وهذا كذب وافتراء؛ لأنّ السّحر كفر، وسيّدنا سليمان عليه السَّلام لم يكفر ولم يعلم السّحر على الإطلاق، لكنّ الشّياطين هم الّذين كفروا. والشّيطان هو المتمرّد على منهج الله سبحانه وتعالى من جنّ أو إنس، وكلّ من يتعلّم السّحر الآن يتعلّم ما تتلوه الشّياطين؛ لأنّ القرآن الكريم استخدم صيغة الفعل المضارع: ﴿مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ أي أنّها لا تزال تتلو. ولم يرد عن النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم تفسير لهذه الآية، لذلك اختلف المفسّرون فيها:

– فهناك من يقول: إنّ هاروت وماروت كانا مَلَكين يعلّمان النّاس السّحر في منطقة بابل من العراق، ويحذّرانهم من تعلّمه وممارسته، ويقولان لهم: إنّه اختبار لهم، وينصحانهم بتركه؛ لأنّه كفر.

– وهناك قراءة للقرآن الكريم تقرأ: ﴿وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ بكسر اللّام([1])، أي أنّهما لم يكونا مَلَكين بل كانا مَلِكين، فالاختلاف في طبيعة هاروت وماروت اللّذين كانا يعلّمان النّاس السّحر، والآية لم توضّح طبيعتهما، بل تركت شيئاً من الإبهام يناسب السّحر القائم على الغموض. ولو أراد الله عزَّوجل أن نعرف طبيعة هاروت وماروت لأوضحهما لنا أكثر، لكنّه ترك الأمر فيه شيء من الغموض. وهناك تناسب بين إبهام السِّحر ووقت السَّحر الّذي لا تبدو فيه الأشياء واضحة في آخر اللّيل، وأشدّ ساعات اللّيل حلكةً هي الّتي تسبق الفجر.

وشأن القرآن الكريم ألّا يهتمّ بتفسير التّفاصيل الّتي لا تفيد معرفتها، مثل عدد فتية أهل الكهف، فيجيب القرآن من يسأل عن عددهم:
﴿سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ ۖ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ۚ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ ۗ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا]الكهف[؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى يريد منّا أن نعرف العبرة والغاية والوظيفة المطلوبة من خلال الحدث التّاريخيّ وليس لمعرفة عددهم وأسماءهم فائدة. كذلك عندما سئل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن الأهلّة اقتصر القرآن الكريم على ما تفيده المعرفة بالأهلّة، فقال سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ]البقرة: من الآية 189[، وهذا ما يفيد السّائلين في ذلك الوقت، وقد يأتي زمن آخر يكتشف فيه النّاس أموراً جديدة تفيدهم بشأن الأهلّة. كذلك هاروت وماروت لا تهمّنا معرفة طبيعتهما وهل هما ملَكين أم ملِكين، ويكفي أن نعرف أنّ السّحر علم ضارّ لا يجوز تعلّمه، وهو كفر وفتنة وبلاء.

وقد كانت هناك اختبارات للنّاس في حياة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مثل الإسراء والمعراج، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ]الإسراء: من الآية 60[.  وكذلك في تحويل القبلة ابتلاء، فبعد أن توجّه المسلمون في صلاتهم إلى بيت المقدس في بادئ الأمر، أُمِروا بالتّوجّه إلى الكعبة، وكانوا يتمنّون ذلك، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ  ]البقرة: من الآية 143[. وكذلك كان هاروت وماروت فتنة، أي ابتلاء واختبار.

وكان اليهود يتعلّمون السّحر رغم التّحذير والتّنبيه إلى أنّه كفر، فيتعلّمون ما يفرّقون به بين المرء وزوجه، ويُطمئن الله سبحانه وتعالىعباده بأنّ الضّرّ والنّفع لا يكون خارجاً عن مشيئته وقدره: ﴿وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ  ]البقرة: من الآية 102[. فلا شيء في كون الله سبحانه وتعالى يخرج عن إرادته، ولا يضرّ شيء بغير أمره، حتّى سمّ الأفعى والعقرب لا يضرّ إلّا إن أذن الله، فلا يخرج شيء عن أمر الله في ملكه، ولا أحد يضرّ وينفع أو يفرّق ويجمع إلّا بإذن الله تبارك وتعالى.

﴿وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ  : ونخلص إلى القول إلى أنّ علوم السّحر ضارّة غير نافعة، وتكون عن طريق الاتّصال بالشّياطين. ونؤمن بأنّ هناك سحراً وحسداً وعيناً مؤذية، والله عزَّوجل يقول: ﴿وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ  ]الفلق[، فالحاسد يضرّ بالعين بإذن الله وقد علّمنا رسول الله : أن نستعيذ بالله من شرور السّحر والعين والحاسد، وذلك بقراءة (المعوّذتين) وسورة (الإخلاص)، فنحصّن أنفسنا بسلطان الله من شرّ خلقه. كما علّمنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنّ قراءة سورة (البقرة) تحمي من السّحر والشّياطين، وأنّ البيت الّذي تقرأ فيه سورة (البقرة) لا تدخله الشّياطين، قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «اقرؤوا سورة البقرة، فإنّ أخذها بركة وتركها حسرة، ولا تستطيعها البَطلة»([2]) أي السّحرة. والمؤمن يحصّن نفسه بالقرآن ولا يتّبع الشّعوذة والأقاويل ولا يخاف من أحد ما دام يقرأ القرآن ويصلّي ويُحكم صلته مع الله، فابقوا مع القرآن، والزموا كثرة السّجود وقراءة القرآن، فهذان اتّصالان مع الله اتّصال سجوديّ بالصّلاة واتّصال كلاميّ بقراءة القرآن، وعلى المؤمن ألّا يخرج من بيته في الصّباح إلّا بعد أن يقرأ شيئاً من القرآن، فإن كان مصلّياً وتالياً للقرآن الكريم فلا يخشَ شيئاً، أمّا من يتعاطى السّحر فقد خسر دينه وآخرته.

﴿وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ: إنّ من تعلّم السّحر وآذى الخلق به ليس له نصيب من الآخرة؛ لأنّه باع نفسه ودينه للشّيطان عن طريق تعلّم السّحر والشّعوذة.


([1]) قراءة من الشّواذ، قرأ بها الحسن البصريّ وابن عبّاس والضّحاك بن مزاحم وعبد الرّحمن بن أبزى، قيل المراد بالملِكين: داود وسليمان عليهما السلام.

([2]) صحيح مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل قراءة القرآن وسورة (البقرة)، الحديث رقم (804).

وَاتَّبَعُوا: الواو عاطفة، اتبعوا فعل ماض مبني على الضم والواو فاعل.

ما: اسم موصول مفعول به والجملة معطوفة.

تَتْلُوا: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الواو للثقل.

الشَّياطِينُ: فاعل.

عَلى مُلْكِ: جار ومجرور متعلقان بتتلو.

سُلَيْمانَ: مضاف إليه مجرور بالفتحة نيابة عن الكسرة ممنوع من الصرف للعلمية وزيادة الألف والنون والجملة صلة الموصول والعائد محذوف تقديره ما تتلوه.

وَما: الواو حالية، ما نافية.

كَفَرَ سُلَيْمانُ: فعل ماض وفاعل والجملة حالية.

وَلكِنَّ: حرف مشبه بالفعل يفيد الاستدراك.

الشَّياطِينُ: اسمها.

كَفَرُوا: فعل ماض والواو فاعل والجملة خبر لكن.

يُعَلِّمُونَ: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل.

النَّاسَ: مفعول به أول.

السِّحْرَ: مفعول به ثان.

وَما: الواو عاطفة ما موصولة معطوفة على السحر وجملة يعلمون حالية وقيل خبر ثان.

أُنْزِلَ: فعل ماض مبني للمجهول ونائب الفاعل هو.

عَلَى الْمَلَكَيْنِ: متعلقان بالفعل أنزل.

بِبابِلَ: بابل اسم مجرور بالفتحة بدل الكسرة ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة والجار والمجرور متعلقان بالفعل أنزل

أو بحال من الملكين.

هارُوتَ وَمارُوتَ: بدل من الملكين مجرور بالفتحة نيابة عن الكسرة ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة.

وقيل عطف بيان لأنه أوضح منه.

وَما: الواو استئنافية ما نافية.

يُعَلِّمانِ: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة والألف فاعل.

مِنْ أَحَدٍ: مفعول به ومن حرف جر زائد

حَتَّى: حرف غاية وجر.

يَقُولا: فعل مضارع منصوب بأن المضمرة بعد حتى وعلامة نصبه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة والألف فاعل وأن المضمرة مع

الفعل في تأويل مصدر في محل جر بحرف الجر. وهما متعلقان بالفعل يعلمان.

إِنَّما: كافة ومكفوفة.

نَحْنُ فِتْنَةٌ: مبتدأ وخبر. والجملة مقول القول.

فَلا: الفاء الفصيحة لأنها أفصحت عن شرط والتقدير أما وقد علمناك فلا تكفر. ولا ناهية جازمة.

تَكْفُرْ: فعل مضارع مجزوم والفاعل أنت والجملة لا محل لها جواب شرط مقدر.

فَيَتَعَلَّمُونَ: الفاء استئنافية يتعلمون فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل والجملة خبر لمبتدأ محذوف تقديره هم يتعلمون.

مِنْهُما: متعلقان بالفعل قبلهما.

ما: اسم موصول مفعول به.

يُفَرِّقُونَ: فعل مضارع وفاعل.

بِهِ: متعلقان بيفرقون.

بَيْنَ: مفعول فيه ظرف مكان متعلق بالفعل.

الْمَرْءِ: مضاف إليه.

وَزَوْجِهِ: معطوف.

وَما: الواو حالية، ما الحجازية تعمل عمل ليس.

هُمْ: ضمير منفصل اسمها.

بِضارِّينَ: الباء حرف جر زائد، ضارين اسم مجرور لفظاً بالياء لأنه جمع مذكر سالم، منصوب محلاً لأنه خبر ما. والجملة حالية.

بِه: متعلقان بضارين.

مِنْ أَحَدٍ: من حرف جر زائد، أحد اسم مجرور لفظا منصوب محلاً على أنه مفعول به لاسم الفاعل ضارين.

إِلَّا: أداة حصر.

بِإِذْنِ: جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من الضمير المستتر بضارين اسم الفاعل أو بمحذوف حال من المفعول به أحد.

اللَّهِ: لفظ الجلالة مضاف إليه.

وَيَتَعَلَّمُونَ: الجملة معطوفة.

ما: اسم موصول مفعول به.

يَضُرُّهُمْ: فعل مضارع ومفعول به والفاعل هو والجملة صلة الموصول وجملة

وَلا يَنْفَعُهُمْ: معطوفة عليها.

وَلَقَدْ: الواو عاطفة اللام واقعة في جواب القسم قد حرف تحقيق.

عَلِمُوا: فعل ماض مبني على الضم والواو فاعل والجملة جواب القسم لا محل لها.

لَمَنِ: اللام لام الابتداء من اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.

اشْتَراهُ: فعل ماض مبني على الفتحة المقدرة والهاء مفعول به والفاعل هو والجملة لا محل لها صلة الموصول.

ما: نافية وقيل حجازية.

لَهُ: متعلقان بمحذوف خبر مقدم.

فِي الْآخِرَةِ: متعلقان بمحذوف حال من خلاق لأنهما تقدما عليه.

مِنْ: حرف جر زائد.

خَلاقٍ: اسم مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه مبتدأ مؤخر وجملة ماله في محل رفع خبر المبتدأ وجملة

لَمَنِ اشْتَراه: سدت مسد مفعولي علموا المعلقة عن العمل بسبب لام الابتداء.

وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ: الواو عاطفة اللام للقسم. بئس فعل ماض جامد لإنشاء الذم وسبق إعرابه ما يشبهها الآية 90.

لَوْ: حرف شرط غير جازم.

كانُوا: فعل ماض ناقص مبني على الضم والواو اسمها.

يُعَلِّمُونَ: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، والواو فاعل. والجملة في محل نصب خبر كانوا وجواب لو محذوف وتقديره لو كانوا يعلمون

ذلك لما عملوا السحر

ما تَتْلُوا: أي تلت

الشياطين: على عهد ملك سليمان من السحر أي في زمان ملكه

والمراد بالشياطين: شياطين الإنس والجن

وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ: أي وما سحر

والسحر لغة: كل ما لطف مأخذه وخفي سببه

وسحره: خدعه

والملكان: رجلان صاحبا هيبة ووقار يجلهما الناس ويحترمونهما.

وبابل: بلد بالعراق في أرض الكوفة لها شهرة تاريخية قديمة

فِتْنَةٌ: اختبار وابتلاء

اشْتَراهُ: استبدل

ما تتلو الشياطين: خَلاقٍ نصيب وحظ

شَرَوْا: باعوا.