الآية رقم (67) - وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ

سمّيت سورة (البقرة) بهذا الاسم لورود قصّة البقرة فيها، وهي قصّة حدثت في بني إسرائيل زمن سيّدنا موسى عليه السَّلام لتثبيت قضيّة هامّة من قضايا الإيمان وهي البعث. والإيمان بالبعث هو أهمّ شرط من شروط الإيمان بعد الإيمان بالله سبحانه وتعالى، وأهمّ عنصر من عناصره، أن تؤمن باليوم الآخر وبالبعث بعد الموت، وكلّ النّاس يرون الموت لكنّهم لا يرون البعث، فهو غيب مستور مثله مثل كلّ عناصر الإيمان، من إيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر والقضاء والقدر خيره وشرّه. والرّسل قد يراهم أهل زمانهم، لكنّهم لم يُرَوا والوحي يتنزّل عليهم، ونحن نرى الكتب السّماويّة بين أيدينا، ولكننا لم نرها وهي تتنزّل، فالإيمان بالنّبوّات وبالكتب السّماويّة غيب أيضاً. والإيمان قضيّة اعتقاديّة بالمغيَّب عن الإنسان ومحلّه القلب. وهناك قصص أخرى في القرآن تؤكّد قضيّة البعث للنّاس مثل قصّة الّذي: ﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ]البقرة: من الآية 259[،  وكان سيّدنا عيسى عليه السَّلام -وقد بعث في بني إسرائيل- يحيي الموتى بإذن الله. وهذه القضيّة تتعلّق بالبعث بعد الموت، وقد أراهم الله سبحانه وتعالىكيف يحيي الموتى ليؤمنوا بالبعث.

وهناك فارق كبير بين القصص البشريّ والقصص القرآنيّ، ففي القصّة البشريّة نورد الأحداث كما جرت، أمّا القصّة القرآنيّة فتعطينا لقطات معيّنة لمقصد معيّن بهدف التّربية الإيمانيّة. فالقصص القرآنيّ هو أحسن القصص، وهو ليس للتّسلية، بل للتّربية، وله هدف وظيفيّ إيمانيّ، وليخدم قضيّة إيمانيّة هامّة. ولو كان كاتب القصّة بشراً فلا يمكن أن يبدأ من منتصفها كما جاء في هذه القصّة، وكذا أيَّة قصّة فيها عناصر من أحداث وشخصيّات وزمان ومكان. ولا يريد الله سبحانه وتعالى أن نتعلّق بالأحداث ولا بالشّخصيّات، لذلك هو يُبْهم الشّخصيّات، فيقول مثلاً: ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ]الأعراف: من الآية 123[، وهذا لقب ملوكهم ولا ندري من هو فرعون؟ هل هو تحوتمس أم رمسيس أم غيرهما؟؟ لا ندري؛ لأنّ فرعون ليس هو المقصود لشخصه؛ ولأنّ الله سبحانه وتعالى لا يريد أن نتعلّق بالقصّة ولا بالشّخصيّات بل بالعبر، وهذه القصّة القرآنيّة تخدم قضيّة إيمانيّة تتعلّق بالبعث، وتتعلّق بممارسات شعب بني إسرائيل؛ لأنّ البشريّة في كلّ أزمنتها القادمة بعد نزول القرآن الكريم ستعاني الكثير من هذا الشّعب، وها نحن اليوم نرى كيف تآمروا على الأمّة العربيّة والإسلاميّة، ومزّقوها دويلات، واحتلّوا المسجد الأقصى، واعتدوا وفعلوا الكثير من الإيذاء للمسلمين. وهنا قال سيّدنا موسى عليه السَّلام لقومه: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾.

والقوم: يقصد بهم الرّجال؛ لأنّ الله عزَّوجل يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ  ]الحجرات: من الآية 11[، وحين قال قوم موسى له: أتتّخذنا هزواً؟ استعاذ بالله أن يهزأ بهم؛ لأنّه نبيّ مكلّف من قبل الله سبحانه وتعالى، وهو الّذي أمره أن يبلّغهم هذا الأمر، ولا يمكن أن يكون هازئاً بهم.

وحين يأتي الأمر من الأعلى إلى الأدنى فهو أمر، وإذا جاء من متساويين فهو التماس، أمّا إذا جاء من الأدنى إلى الأعلى فهو دعاء ورجاء.. وقد أمرهم الله سبحانه وتعالى بأمرٍ على لسان نبيّهم موسى عليه السَّلام فحاول بنو إسرائيل أن يتهرّبوا من تنفيذ هذا الأمر فقالوا لموسى عليه السَّلام: ﴿أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ، فهو نبيّ لا يمكن أن يهزأ بهم، والله سبحانه وتعالى هو الّذي أمره أن يبلّغهم إيّاه فهو أمرٌ إلهيّ، وهم يعلمون أنّه نبيّ، وقد عاشوا معه عمراً ومرّوا معه بمراحل كثيرة، ورأوا منه المعجزات الكثيرة، عندما ضرب بعصاه البحر.. وعندما اخترقوا معه البحر، وعندما أنزل عليهم المنّ والسّلوى.. وعندما رأوا كلّ الآيات البيّنات المعجزات الواضحات… وهذه صورة شعب بني إسرائيل ومماطلاتهم في مفاوضاتهم مع العرب، وكلّ مواصفاتهم نجدها قد وثّقتها هذه الآيات.

وهكذا في قضيّة البقرة، أرادوا أن يتملّصوا من هذا الأمر فأخذوا يماطلون ويسألون عن مواصفات البقرة، ولو جاؤوا بأيّة بقرة وذبحوها لأجزأتهم، لكنّهم شدّدوا فشدّد الله جلَّ جلاله عليهم، فزادت الشّروط بازدياد أسئلتهم.

وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ: تقدم إعراب مثلها.

إِنَّ: حرف مشبه بالفعل.

اللَّهَ: لفظ الجلالة اسمها.

يَأْمُرُكُمْ: فعل مضارع ومفعول به والفاعل هو يعود إلى الله.

أن: حرف مصدري ونصب.

تَذْبَحُوا:  فعل مضارع وفاعل والمصدر المؤول في محل جر بحرف الجر تقديره بذبح بقرة متعلقان بالفعل قبلهما.

(يأمركم): في محل رفع خبر إن.

بَقَرَةً: مفعول به.

قالُوا: فعل ماض وفاعل والجملة مستأنفة.

أَتَتَّخِذُنا: الهمزة للاستفهام. تتخذنا فعل مضارع ومفعول به أول والفاعل أنت.

هُزُواً: مفعول به ثان، والجملة مقول القول.

قالَ: فعل ماض والفاعل مستتر والجملة مستأنفة.

أَعُوذُ: فعل مضارع والفاعل أنا.

بِاللَّهِ: لفظ الجلالة مجرور بالباء متعلقان بأعوذ والجملة مقول القول.

أن: حرف مصدري ونصب.

أَكُونَ: فعل مضارع ناقص منصوب وهو في تأويل مصدر في محل جر بحرف الجر والتقدير من الجهل وهما متعلقان بالفعل أعوذ.

واسم أكون ضمير مستتر تقديره أنا.

(مِنَ الْجاهِلِينَ): متعلقان بخبر أكون.

هُزُواً: مهزوءاً بنا أو سخرية، حيث تطلب منا ذبح بقرة.

أَعُوذُ: أمتنع الْجاهِلِينَ المستهزئين في موضع الجد.