الآية رقم (144) - قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ

﴿قَدْ:  حرف تحقيق.

﴿نَرَىٰ﴾: رأى اللهُ تقلّبَ وجهكَ في السّماء، أتت ﴿نَرَىٰ﴾ بصيغة المضارع، كان الرّسول في منتهى الأدب مع الله سبحانه وتعالى وكانت عواطفه متّجهة إلى بيت الله الحرام ليكون قبلة له صلَّى الله عليه وسلَّم ولأمّته في الصّلاة، فقال الله: ﴿قَدْ نَرَىٰ﴾ هو لم يطلب من الله عزَّ وجلَّ. وتقلّب الوجه علامة على الميل والرّغبة والتّمنّي، وكان الرّسول صلَّى الله عليه وسلَّم راضياً بأمر الله وراضياً بتوجيه الله سبحانه وتعالى، بدليل أنّه امتثل لأمر الله، ولكن عواطف القلب لا يملكها، قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «هذا قسمي في ما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك»([1])، يعني القلب.

﴿فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا﴾: هذه من أعظم الآيات الّتي نزلت على سيّدنا محمّد صلَّى الله عليه وسلَّم والّتي تُشير بأنّ الله يرغب في إرضاء حبيبه محمّداً صلَّى الله عليه وسلَّم، سيما وقد قال عزَّ وجلَّ: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ﴾ [الضّحى].

﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ﴾: توجّه بكلّيتك في صلاتك.

﴿شَطْرَ﴾: جهة أو نحو، والشّطر في اللّغة: النّصف.

﴿وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ﴾: الله جلَّ جلاله مطّلع على سرائرهم، وجاء بالأمر التّكليفيّ بالتّوجّه إلى المسجد الحرام.

والمشركون هم أنفسهم كانوا يقرّون بقدسيّة البيت الحرام بعيداً عن الأصنام الّتي كانت حوله، فنصبوا الأصنام وأرادوا لها أن تأخذ قدسيّة من بيت الله الحرام.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) سنن أبي داود: كتاب النّكاح، باب في القسم بين النّساء، الحديث رقم (2134).

قَدْ: حرف تحقيق.

نَرى: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة والفاعل نحن.

تَقَلُّبَ: مفعول به.

وَجْهِكَ: مضاف إليه والكاف في محل جر بالإضافة.

فِي السَّماءِ: جار ومجرور متعلقان بالمصدر تقلب.

فَلَنُوَلِّيَنَّكَ: الفاء حرف عطف اللام موطئة للقسم نولينك فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة والفاعل نحن

والكاف مفعول به أول.

قِبْلَةً: مفعول به ثان والجملة جواب قسم لا محل لها من الإعراب.

تَرْضاها: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة وها مفعول به والفاعل أنت والجملة في محل نصب صفة لقبلة.

فَوَلِّ: الفاء هي الفصيحة ولّ فعل أمر مبني على حذف حرف العلة والفاعل أنت.

وَجْهِكَ: مفعول به.

شَطْرَ: مفعول فيه ظرف مكان متعلق بالفعل ولّ.

الْمَسْجِدِ: مضاف إليه.

الْحَرامِ: صفة وجملة ول وجهك جواب شرط غير جازم لا محل لها

وَحَيْثُ ما: الواو عاطفة حيثما اسم شرط جازم مبني على السكون في محل نصب على الظرفية المكانية متعلق بمحذوف خبر

كنتم المقدم.

كُنْتُمْ: كان واسمها وهي في محل جزم فعل الشرط.

فَوَلُّوا: الفاء رابطة لجواب الشرط ولوا فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل والجملة في محل جزم جواب الشرط.

وُجُوهَكُمْ: مفعول به.

شَطْرَهُ: مفعول فيه ظرف مكان متعلق بالفعل قبله والجملة في محل جزم جواب الشرط.

وَإِنَّ: الواو استئنافية، إن حرف مشبه بالفعل.

الَّذِينَ: اسم موصول في محل نصب اسمها.

أُوتُوا: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة، والواو نائب فاعل.

الْكِتابَ: مفعول به ثان ونائب الفاعل هو المفعول الأول والجملة صلة الموصول لا محل لها.

لَيَعْلَمُونَ: اللام هي المزحلقة يعلمون فعل مضارع والواو فاعل.

أَنَّهُ: أن واسمها.

الْحَقُّ: خبرها وقد سدت أن واسمها وخبرها مسد مفعولي يعلمون.

مِنْ رَبِّهِمْ: متعلقان بمحذوف في محل نصب حال من الحق

(لَيَعْلَمُونَ): في محل رفع خبر إن.

وَمَا: الواو استئنافية ما نافية حجازية تعمل عمل ليس.

اللَّهُ: لفظ الجلالة اسمها.

بِغافِلٍ: الباء حرف جر زائد غافل خبر ما.

عَمَّا: عن وما الموصولية الجار والمجرور متعلقان بغافل.

يَعْمَلُونَ: فعل مضارع والواو فاعله والجملة صلة الموصول.

تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ: تردد نظرك مرة بعد مرة في جهة السماء، طلبا للوحي، وتشوقا للأمر باستقبال الكعبة، وكان يودّ ذلك لأنها قبلة أبيه إبراهيم عليه السّلام، ولأنها أدعى إلى إسلام العرب، ولأن اليهود كانوا يقولون: يخالفنا محمد ويتبع قبلتنا.

فَلَنُوَلِّيَنَّكَ: فلنوجهنك جهتها، وهذا يدل على أن في الجملة السابقة حالاً محذوفة، التقدير: قد نرى تقلب وجهك في السماء طالباً قبلة غير التي أنت مستقبلها.

فَوَلِّ وَجْهَكَ: تولية الوجه المكان: جعله قبالته وأمامه، والمراد بالوجه: جملة البدن، أي استقبل بوجهك في الصلاة نحو الكعبة. شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ: وجهته أو ناحيته، وسميت الكعبة بالمسجد الحرام إشارة إلى أنَّ الواجب على البعيد مراعاة الجهة، دون عين الكعبة: لأنَّ استقبال عين القبلة فيه حرج عظيم على البعيد، كما قال الزمخشري.

فَوَلِّ وَجْهَكَ أطلق الوجه، وأريد به الذات، من قبيل المجاز المرسل، من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل.