في سورة (النّساء) نزلت الآيات فحدّدت المواريث، ووضعت للوالدين نصيباً مفروضاً واضحاً من الميراث، وللأولاد نصيب معروف، لذلك الوصيّة في الثّلث فقط، كما ورد في الحديث: قال ســـــعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه: كان النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يعودني وأنا مريض بمكّة فقلت: لي مال، أوصي بمالي كلّه؟ قال: “لا“، قلت: فالشّطر؟ قال: “لا“، قلت: فالثّلث؟ قال: “الثّلث، والثّلث كثير“([1])، فأقرّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنّ الوصيّة لا تتجاوز الثّلث، فإذاً لا يحقّ لك أن توصي بالميراث لا للوالدين ولا للأولاد، لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: “لا وصية لوارث“([2])، فكلّ من له سهم في الميراث لا وصيّة له، وأولى النّاس بالوصيّة الأقارب، من أين عرفنا ذلك؟ من هذه الآية، أقرب النّاس بدرجة القربى والّذين ليس لهم سهم في حصص الميراث، وهم بحاجة طبعاً، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلا مَعْرُوفًا﴾ [النّساء].
﴿فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ﴾: ما معنى الجنف؟ الجنف هو الانحناء عن الحقّ والعدل، ومن هنا جَنَفُ العمود الفقريّ، أي: انحناؤه عن الاعتدال وتقوّسه.
﴿فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ﴾: يعني أنّه تدخّل لأجل الإصلاح.
﴿فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾: لو حضر المؤمن مجلساً فيه رجل يوصي لمن بعده وصيّة فيها حيف أو ظلم أو جور، أو وصّى بما يخالف الشّرع فحاول أن يصلح ما في هذه الوصيّة فلا إثم عليه، أي أصلح هذه الوصيّة بما يرضي الله تبارك وتعالى أو أنّه أقنع هذا الرّجل أن يوصي بما يُرضي الله، ولا يتجاوز في وصيّته الثّلث، وأن يوصي للأقربين، وألّا يوصي لوارث، وأن لا يخالف الشّرع في الوصيّة، فلا إثم عليه.
﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾: يعني إصلاح موضوع الوصيّة أن تكون وفق الضّوابط الشّرعيّة هو أمر هامّ؛ لأنّ الوصيّة آخر ما يفعله الإنسان، وآخر فعل سيحاسب عليه قبل أن يترك الدّنيا، نعم هو يكتب الوصيّة قبل الوفاة، لكنّ أثرها سيكون بعد وفاته، لذلك لا بدّ من إصلاح هذه الوصيّة، وأن يفعل الإنسان كلّ ما يستطيع ليحكّم الشّرع فيما يوصي به وفق الضّوابط الشّرعيّة.
ويظلّل كلّ هذه الآيات وكلّ هذه الأمور بغفران الله سبحانه وتعالى ورحمته الّتي وسعت كلّ شيء.