(ثُمَّ) هنا للتّراخي بالزّمن، وهي تؤيّد قول من قال من الفقهاء: لا بدّ من المبيت بمزدلفة؛ لأنّ في (ثُمَّ) إشارة إلى أنّه بعد مبيتكم بمزدلفة، (أَفِيضُوا)
الإفاضة الثّانية من مزدلفة إلى مِنى.
(مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ) قال بعضهم في تفسير (النَّاسُ): إنّه إشارة إلى المساواة بين جميع النّاس؛ لأنّك في الحجّ لا تجد فرقاً بين غنيّ وفقير، ولا بين قويّ وضعيف، ولا بين أمير ومأمور، منظر مصغّر عن يوم الحشر حيث يتساوى النّاس في اللّباس، ويلهجون بدعاء واحد، ويسألون ربّاً واحداً، وخصوصاً في عرفات، حيث يجتمع كلّ الحجاج دفعة واحدة، ولا تجد ذلك الحشد في الطّواف حيث لا يجتمع كلّ الحجاج للطّواف دفعة واحدة، فبعد نزول الحجّاج من عرفات بعضهم يبيت في مزدلفة، وبعضهم ينتقل لمنى، وبعضهم يطوف حول البيت، وبعضهم يسعى بين الصّفا والمروة، ولَـمّا كان الحجّ عرفة، فلذلك مع نهاية غروب شمس يوم عرفة في حجّة الوداع قال النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم لبلال: “يا بلال أنصت لي النّاس“ فقام بلال فقال: أنصتوا لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فأنصت النّاس فقال: “معاشر النّاس، أتاني جبريل آنفا فأقرأني من ربّي السّلام وقال: إنّ الله غفر لأهل عرفات وأهل المشعر وضَمِن عنهم التّبعات“([1])، هذا موقف عرفات فهو ستر وشكر وفكر وتقرّب من الله سبحانه وتعالى تحت عنوان ذكر الله سبحانه وتعالى.