﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ﴾: هذه الآية عدّدت الأطعمة المحرّمة، فما الّذي حرّم؟ أوّلها: الميتة وقد ذكرت سابقاً بالتّفسير، هناك مَيْت بتخفيف الياء، ومَيِّت بتشديد الياء، هناك فارق عندما تكون الياء ساكنة وعندما تكون مشدّدة، يقول سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ﴾ [الزّمر]، الياء مشدّدة في كلمة: ميّت، أي مآلك إلى الموت، أنت الآن حيّ لكنّك ميّت أي ستموت، أمّا إذا قلت عن شخص: إنّه ميْت بتخفيف الياء وإسكانها، فهذا يعني أنّه قد مات فعلاً، انظروا لدّقة القرآن الكريم، لو قال الله سبحانه وتعالى: حُرِّمَ عليكم الميّتة، بتشديد الياء، لكان كلّ شيء قد حُرّم علينا، لا يمكننا أن نأكل شيء أبداً، فلا يمكنك أن تأكل دجاجاً ولا شاةً ولا بقرة ولا أيّ شيء؛ لأنّها كلّها بالذّبح ستموت، لكن طالما قال تبارك وتعالى: ﴿الْمَيْتَةَ﴾ فإذاً المقصودة الّتي ماتت، لماذا الميتة، أي ماتت ولم تُذبح؟ لأنّ هناك فارقاً بين القتل والموت، فالقتل هو تخريب البنية وبعد ذلك تخرج الرّوح، أمّا الموت فهو خروج الرّوح وبعد ذلك تتخرّب بنية الجسد. الميْتة مثلاً: الدّجاجة أو الخروف افرض أنّه مات ولم يُذبح، لماذا حُرّم علينا؟ نحن نعلم أنّ هناك أوردة وشرايين، ويوجد دم فاسد ينقّى عن طريق الكلى، ويوجد دم صالح بالإنسان أو بالحيوان أو بكلّ الأحياء الّتي فيها دم، فإذا مات الإنسان أو مات الخروف أو الدّجاجة.. ولم يُسمح للدّم أن يخرج فماذا يجري؟ الدّم الفاسد يبقى فتصبح فاسدة، لذلك إذا أكلت دجاجاً أو لحم خروف ميت غير مذبوح، فمذاق لحم الميتة يختلف عن مذاق اللّحم لو كان مذبوحاً؛ لأنّ الدّم الفاسد قد خرج عند الذّبح، إذاً علّة تحريم الميتة واضحة، فيها فساد؛ لأنّ الدّم الّذي يجري جزء منه يكون فاسداً لم ينقّى بعد بالكلى، وجزء يكون صالحاً، فالجزء الفاسد يُفسِد اللّحم.
﴿حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ﴾: هنا نقطة مهمّة ودقيقة، ذكرنا سابقاً بأنّه لا يجوز أن يتصدّى للتّفسير إلّا من كان عالماً ومتخصّصاً بتفسير القرآن وبسنّة النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم لماذا؟ لأنّك لو قرأت الآية: ﴿حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ﴾ إذاً الميْتة حرام لكن هل السُّنّة تخصّص عموم القرآن؟ نعم تخصّص لقوله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾ [الحشر]، قال نبيّنا صلَّى الله عليه وسلَّم: “أُحلّت لكم ميتتان ودمان، فأمّا الميتتان فالحوت والجراد وأمّا الدّمان فالكبد والطّحال“([1]) إذاً خصّص الحديث عموم القرآن، واستثنى من الميتة السّمك والجراد، ما السّبب؟ السّبب أنّ السّمك والجراد لا يوجد فيهما دم، والطّحال والكبد دم جامد.
﴿وَالدَّمَ﴾: حرّم الميتة؛ لأنّ فيها دم، فالأولى أن يحرّم الدّم، إذاً الدّم محرّم باستثناء الكبد والطّحال؛ لأنّ الدّم فاسد ويؤذي الجسد.