حين يتحدّث الله سبحانه وتعالى عن أمر فيه أفعال يقول: ﴿إِنَّا﴾: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر]، وهذه نون العظمة الّتي تجمع كلّ الصّفات الّتي يسخّرها الله سبحانه وتعالى للفعل بقدرته وبعلمه وبحكمته وبعظمته.. ﴿وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ﴾ [المؤمنون], أمّا حين يتحدّث عن العبادة يكون إفراد العبوديّة بالمفرد ﴿إِنَّنِي﴾، قال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ [طه]، وحين يتحدّث عن الأفعال يكون بنون جمع الصّفات وهي نون العظمة: ﴿إِنَّا نَحْنُ﴾ ]الحجر: من الآية 9[.
وهنا يقول: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ﴾يا محمّد، ما هي مهمّتك؟ لم يقل: مجبراً ومكفّراً وقاتلاً، ونحن نأخذ الإسلام من القرآن وأفعال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وصحبه وآل بيته الكرام رضي الله عنهم.
﴿أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ﴾: والحقّ هو الأمر الثّابت الّذي لا يتغيّر بمرور الزّمن، فإذا قلت إنّ كأس الماء هذا مصنوع من الزّجاج، ولو سألتني عنه بعد عام أقول لك الكلام نفسه. أرسلناك بالحقّ؛ لأنّك مبعوث من الحقّ إلى الخلق، ومهمّتك أن تبشّر النّاس وتنذرهم. والتّبشير يكون بشيءٍ سارٍّ قادم، والإنذار يكون بشيء غير سارٍّ قادم. فمهمّته صلَّى الله عليه وسلَّم ليست هي الإجبار والإكراه، بل أن يبشّر المؤمنين بالجنّة وينذر الكافرين بالنّار جزاءً لأعمالهم، ومهمّتك أن تبلّغهم وتبشّرهم وتنذرهم، ولا تسأل عن أصحاب الجحيم فهم يختارون ما يريدون. والصّاحب هو الّذي يختار صاحبه، وليست مهمّتك أن تجبرهم على الدّين والإيمان كما يفعل التّكفيريّون، بل أن تذكّرهم وتبشّرهم وتنذرهم: ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ (21) لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ﴾ [الغاشية]، وهم يختارون ما يريدون، وهذا القول لسيّد الخلق وأتباع سيّد الخلق.