الخطاب هنا موجّه ليهود المدينة، هل كنتم موجودين في ذلك الوقت، ويذكّرهم بمشهد يعقوب عليه السَّلام وهو على فراش الموت وحوله أبناؤه الأسباط. وقد حضر يعقوب الموت، والموت هنا فاعل مؤخّر، ويعقوب مفعول به، وكأنّ الموت يكون شيئاً منفصلاً عنّا ثمّ يأتينا، وكأنّه لا علاقة لنا به. يفاجئنا من غير اختيار منّا في أيّ مكان وزمان، ولا يستطيع أحدٌ أن يفرّ من الموت أو أن يطلب مهلة لأيّ سبب كان، قال سبحانه وتعالى: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ﴾ [النّساء] وقد سكن أبناء يعقوب مصر مع أبيهم بعد أن حضروا جميعاً إلى يوسف وخرّوا له سجّداً، وهاهم الآن مجتمعون حول أبيهم يعقوب ومعهم يوسف، فيقول لهم يعقوب: ما تعبدون من بعدي؟ قالوا: نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون، وإبراهيم جدّ يعقوب وإسحاق والده، فلماذا أدخل اسم إسماعيل هنا؟ أي أنّه أطلق صفة الأب على العمّ، فالجدّ يقال عنه: أب، والأبُ أبٌ بطبيعة الحال، وكذلك العمّ يقال عنه أب، وإسماعيل هو عمّ يعقوب عليه السَّلام.
وقد كان سيّدنا إسماعيل وإبراهيم عليهما السَّلام من أجداد النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وكان آزر عمّ إبراهيم عليه السَّلام ومع ذلك قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ﴾ [الأنعام: من الآية 74]، وعلم ذلك من أنّ آباء النّبيّ محمّد صلَّى الله عليه وسلَّم وأجداده لم يكن منهم من عَبَد صنماً أو كان مشركاً، ولـمّا كان إسماعيل وإبراهيم عليهما السَّلام من أجداد النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فكيف يكون آزر من أجداد النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو من عبد الصّنم؟! والعمّ بمثابة الأب، وقد ألزم الشّرع العمّ بأن يكون أباً، وهو يرث أولاد أخيه في بعض الحالات؛ لأنّه ملزم بالنّفقة حين لا يكون لهم معيل، والغرم بالغنم والعكس، فلا نأخذ الإباحة ونترك الإلزام، ولا نطالب بالحقّ ونترك الواجب فمن طالب بالميراث عليه أن ينفق على من تلزمه نفقتهم.
فكما أبيح للرّجل أن يتزوّج بأكثر من واحدة فإنَّ الشّرع ألزمه بالعدل، فإن لم يعدل فواحدة.