شكّك اليهود في قضيّة النّسخ في القرآن الكريم، وفي هذه الآية يخاطب الله سبحانه وتعالى المسلمين فيقول لهم: ﴿أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ﴾، وهنا لفتة رائعة حين جاء فعل ﴿سُئِلَ﴾ مبنيّاً للمجهول، ولم يأتِ مبنيّاً للمعلوم: (كما سألَ اليهودُ موسى)، بل أغفل كلمة اليهود؛ لأنّ الله تعالى لم يرد أن يُقارن المسلمين باليهود الّذين فعلوا ما فعلوه مع سيّدنا موسى عليه السَّلام وسألوه بأن يريهم الله جهرة بعد كلّ ما جاءهم به من معجزات: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ [الإسراء]، منها فرق البحر ونتق الجبل وإنزال المنّ والسّلوى، والعصا واليد… لكنّهم جحدوا وكفروا وسألوا موسى أن يروا الله جهرة؛ لأنّهم مادّيون.
﴿وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ﴾: والباء من: ﴿بِالإِيمَانِ﴾وأمثالها تدخل على المتروك، فمن اشترى شيئاً بمئة ليرة يكون قد ترك المئة ليرة وأخذ الشّيء الّذي اشتراه، ومن أخذ الكفر وترك الإيمان فقد ضلّ. وعندما يتحدّث القرآن عن الكفر والإيمان فهو يتحدّث عن عقيدة وفكر، ولا يتحدّث عمّا يترتّب على ذلك، ولا علاقة لذلك بالقتل. فالكفر معناه السّتر والجحود وليس ما أرادته الحركات الإرهابيّة من قتل وإجرام، حتّى عبارة الأذان (الله أكبر.. الله أكبر) الّتي هي شعار لدعوة المسلمين إلى الصّلاة، وتأكيد بأنّ أمر الله أكبر من كلّ شيء، استخدمها الإرهابيّون للدّعوة إلى القتل والإرهاب. والكفر اعتقاد، وهو مقابل الإيمان. وفي شرع الله عزَّوجل لا يجوز لأحد أن يُلزم غيره باعتناق الإسلام، قال سبحانه وتعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ [البقرة: من الآية 256]، وقال جلَّ جلاله: ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ [الكهف]، وهذه حريّة اعتقاد، فمن اختار الكفر وترك الإيمان فقد ضلّ الطّريق، وانحرف عن جادّة الصّواب.