الآية رقم (2) - وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا

عندما تحدّث المولى سبحانه وتعالىعن النّفس الواحدة وأنّه خلق منها زوجها، كان السّائد في كلّ مجتمعات الأرض أنّ المرأة هي العنصر الضّعيف، فأراد الله أن يغيّر من قناعات البشر ويبيّن أنّ المرأة كالرّجل، وأنّها خُلقت من نفس الرّجل، بعد ذلك أتى إلى الضّعف الّذي ينتج عن فقدان أحد الأبوين، الضّعف يكون باليتم فتحدّث عن اليتامى، واليتيم: هو الّذي فقد أباه ولم يلق حنان الأب ورعايته، أضعف حلقة في المجتمع هي حلقة اليتم، فقال سبحانه وتعالى: ﴿وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ﴾؛ لأنّه من المعلوم أنّ اليتيم الّذي فقد أباه يكون هناك وصيّ عليه، فمال اليتيم يبقى تحت رعاية الوصيّ حتّى يكبر ويصبح في سنّ يحقّ له فيها التّصرّف بأمواله، وهي سنّ الرّشد والبلوغ.

﴿وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ﴾: طالما أنت وصيّ على هذا المال فقد تهتمّ بماله؛ لأنّك تضمّ مالك إلى ماله، وأنت تحاول أن تدير وتنمّي مال اليتيم فإيّاك أن تتبدّل الخبيث من مالك بالطّيّب من مال اليتيم.

الآية رقم (13) - تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ

﴿تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ﴾: المقصود إن كانت أوامر فلا تعتدوها ولا تتجاوزوها، وإن كانت نواهي فلا تقربوها.

الآية رقم (192) - رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ

الخزي يكون لمن مآله إلى النّار؛ لأنّ هذا الإنسان العاصي أو هذا الإنسان المشرك أو هذا الإنسان الملحد مصيره إلى النّار.

﴿وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ: الّذين يظلمون النّاس والذين يظلمون أنفسهم، فليس لهم من ينصرهم يوم القيامة.

الآية رقم (3) - وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ

ألّا تقسطوا: ألّا تعدلوا، القسط: العدل.

إذا خاف الإنسان ألّا يقسط في اليتامى فما علاقة: ﴿فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء﴾؟ يتحدّث المولى سبحانه وتعالى أوّلاً عن حقوق الأيتام، فيجب عليك أن تعطي اليتيم حقّه، وألّا تتبدّل الخبيث بالطّيّب، وأن تكون مقسطاً في حقّه، كذلك الإنسان الّذي يريد أن يتزوّج من اليتيمة، قد يريد الزّواج منها من أجل مالها، أو لأنّها يتيمة لا قوّة لها إضافة إلى ضعفها كونها امرأة، جاء الحديث هنا في معرض قضيّة اليتم، وعندما بدأ القرآن الحديث عن النّساء أشار إلى أنّ الوعاء الحاضن للنّفس البشريّة هو المرأة، وهذا من تكريم المرأة.

﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى:  إن خفت ألّا تقيم العدل باعتبار أنّها يتيمة، أو يمكن أن تأخذ من مالها بعد أن تتزوّجها، اترك هذا الأمر فأمامك متّسع في أمر الزّواج.

الآية رقم (14) - وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ

الثّواب هو الجنّة، والعقاب هو العذاب المهين في النّار.

الآية رقم (193) - رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ

مَن الّذي سمعناه ينادي للإيمان؟ إنّه رسول الله، فقد جاء النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وعرّفنا بربّنا وبلّغنا عنه، فأوّل كلمة قالوها: ﴿رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ﴾ إذاً هذا النّداء الّذي أطلقه النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم منذ ذلك الوقت، وقد بلغنا ببلوغ القرآن وسنّة وهدي نبيّنا إلينا، وأيضاً نداء الإيمان مركوز في فطرتنا قبل نزول الرّسل: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾ [الأعراف].

﴿فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا: فماذا ينتظر مَنْ جَمحت به نفسه؟ «كلّ بني آدم خطّاء، وخير الخطّائين التّوّابون»([1])

الآية رقم (4) - وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا

﴿صَدُقَاتِهِنَّ﴾: والصِّداق: هو المهر.

﴿نِحْلَةً﴾: عطاء، هديّة.

فالمهر ليس ثمناً للمرأة إنّما هو تكريم لها، جعل الإسلام هذا المهر نحلة أو هدية تقدّم من أجل أن تدوم مشاعر الحبّ والودّ بين الرّجل والمرأة.

﴿فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا: تنازلن عنه أو أَعطَين جزءاً منه.

﴿فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا: هنيء عند الأكل ومريء بنتائج هذا الأكل، أنت قدّمت هذا المهر كهدية وتكريم للمرأة وليس ثمناً لها، والمرأة لا تقدَّر بثمن، فالإنسان مكرّم عند الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [الإسراء: من الآية 70]، ﴿فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا﴾ أي تركن لكم جزءاً منه، فعندما تأخذونه يكون هنيئاً وعند صرفه يكون مريئاً. والطّعام المريء: المقبول السّائغ.

الآية رقم (15) - وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً

الفاحشة كما عبّر القرآن الكريم هي الزّنى، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً﴾ [الإسراء].

﴿فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ﴾: انظروا لدقّة حفظ الأنساب والأعراض، لذلك قذف المحصنات من الكبائر، ولا بدّ من شهادة أربعة أشخاص حتّى لا تصبح الأسر معرّضة للاهتزاز بسبب حقد الحاقدين والمؤذين الّذين يحاولون تشويه سمعة النّاس، فالإسلام حرص كلّ الحرص ليس فقط على بناء الأسرة في عقد الزّواج وشروطه واختيار الزّوجة واختيار الزّوج، لكن بعد ذلك المحافظة على العلاقة الزّوجيّة وصيانتها من أن تعتريها الاتّهامات وخصوصاً في أعراض النّساء، فكان التّشديد في هذا الموضوع، وأكبر تشديد في شهادة وردت في القرآن الكريم هو في موضوع يتعلّق بالمرأة.

الآية رقم (194) - رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ

يا ربّ آتنا ما وعدتنا من نعيم ومن رضوان، وما جاء به الرّسل وبشّرونا به بعد أن تغفر لنا ذنوبنا وتكفّر عنّا سيئاتنا يوم القيامة، ولا تخزنا يوم القيامة؛ لأنّك يا ربّ أنت الفعّال لما يريد، وأنت الوحيد الّذي لا تخلف الميعاد، هذا الدّعاء جاء بعد الفكر والذّكر.

الآية رقم (5) - وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا

﴿السُّفَهَاء﴾: ضعيف العقل يسمّى سفيهاً، وهو مَن لا يستطيع أن يدير ماله في شؤون هذه الحياة، فيكون وليّه هو الّذي يدير المال له.

﴿جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً﴾: الّتي أنتم قائمون عليها كوصاية أو ولاية.

﴿وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ﴾: الرّزق والكسوة مطلوبان فيما يتعلّق بهؤلاء السّفهاء، لكن إدارة المال تكون لمن هو وليّ أو وصيّ.

﴿وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا﴾: في دين الإسلام ليس هناك إلّا قول المعروف، ولا إلّا ما هو خير.

الآية رقم (16) - وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا

قال العلماء: هذه الآية تتعلّق بالالتقاء بين رجلين أي اللّواط، وهذا الأمر محرّم شرعاً كما ورد في نصّ هذه الآية، أو كما قال معظم العلماء في تفسيرها، والله جعل الفطرة السّليمة للإنسان تقبل الالتقاء بين الرّجل والمرأة، وفق القواعد الضّابطة للشّهوات من خلال الزّواج بشروطه، فكما كانت تتحدّث الآيات السّابقة عن اللّاتي يأتين الفاحشة من نسائكم وجعل الضّوابط هي شهادة أربعة لحفظ الأعراض والأنساب، أيضاً حرّم الإسلام الشّذوذ الجنسيّ، والّذين يطالبون بتدمير القيم من خلال المثليّة الجنسيّة الّتي هي السّبب الرّئيسيّ في تفكّك المجتمعات الغربيّة وتفشّي مرض الإيدز وأمراض أخرى، ولا شكّ أنّ الانحلال الأخلاقيّ هو مرض اجتماعيّ وصحّيّ، وهذا ينعكس على كلّ البشريّة من خلال التّخلّي عن القيم الّتي جاءت بها الأديان السّماويّة، وهي واضحة من ثنايا تعاليم القرآن الكريم، فالمرأة ليست أداة للزّينة وللّهو وللمتعة الجسديّة، وإنّما هي شريكة للرّجل في كلّ شؤون الحياة، ويجب على الإنسان ألّا يدع شهوته تسيّره إلى الحضيض والمهالك، وإنّما الإنسان العاقل هو الّذي يستطيع أن يسيّر شهوته ويضبطها وفق الحدود الّتي حدّدها الله سبحانه وتعالى.

﴿فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا﴾: هناك دعوة متكرّرة للإصلاح في المجتمع وهي التّوبة، فإذا تاب الإنسان وأصلح ما أفسد فإنّ الله كان وما زال توّاباً رحيماً.

﴿إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا﴾: توّاب: صيغة مبالغة، فالله يتوب على هذا وعلى هذا، يقبل التّوبة الصّادقة من كلّ الخلق.

رحيماً: يرحم الإنسان بألّا يجعله يقع في الذّنب.

الآية رقم (195) - فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ

﴿لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ: قال: عمل عامل لا قول قائل، فالقضيّة تحتاج إلى أعمال، فعندما استجاب هذا الدّعاء الصّادق من المؤمنين الّذين ارتقوا بأرواحهم وبأنفسهم وطلبوا المغفرة من الله وتكفير السّيّئات، استجاب لهم ربّهم: ﴿أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ: فكان الجواب على ما تقدّم عمل وليس قول، فلا بدّ من برهان عندما تتقدّم للدّعاء، لا بدّ أن تقدّم العمل، والإسلام لا يقبل من الإنسان الكلام من دون مصداق وترجمان، والتّرجمان كما قال النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «الإيمان ما وقر في القلب وصدّقه العمل»([1])، فيجب عدم الفصل بين الشّعائر والمقاصد، فإذا لم تؤدّ الشّعائر إلى المقاصد فإنّها لم تزدك من الله إلّا بعداً كما قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلّا بعداً»([2])، «ربّ صائم ليس له من صيامه إلّا الجوع، وربّ قائم ليس له من قيامه إلّا السّهر»([3])، لذلك قال المولى سبحانه وتعالى: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم القضيّة قضيّة عمل، والعمل هو: قول وفعل.

الآية رقم (6) - وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيبًا

﴿وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى﴾: لا تنتظروا أن يصل اليتيم إلى سنّ الرّشد حتّى تختبروه وتدرّبوه على إدارة المال.

﴿حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾: أي أعطوهم الأموال الّتي كنتم أوصياء عليها لإدارتها قبل بلوغهم سنّ الرّشد.

﴿وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ﴾: لا تسرفوا بأموالهم أو أن تبادروا بصرفها قبل أن يكبروا ويصبحوا في سنّ الرّشد.

الآية رقم (17) - إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً

﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ﴾: تكفّل الله بالتّوبة، لكن التّوبة على الله للذين يعملون السّوء بجهالة، فعندما فعل هذه السّيّئات وارتكب هذه المحرّمات كان يجهل العقوبة وقت وقوع المعصيّة ثمّ تاب.

﴿ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ﴾: من قريب حدّدها النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بقوله: «إنّ الله تبارك وتعالى يقبل توبة العبد مالم يغرغر»([1])، والإنسان لا يعلم الوقت الّذي يحين فيه الأجل، لذلك عليه أن يُسارع إلى التّوبة.

﴿وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً﴾: لماذا لم يقل هنا: وكان الله غفوراً رحيماً ما دام الموضوع هنا يتعلّق بالتّوبة؟ الله سبحانه وتعالىكان عليماً بصدق الإنسان وبأنّه لم يكن يخطّط لهذه المعاصي عن إصرار، فالله سبحانه وتعالى يقول: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزّمر]، لكنّ الشّرط عندما عمل السّوء عن جهالة في ذلك الوقت تاب من قريب أي قبل أن يغرغر، وكان صادقاً في توبته، هنا تكون التّوبة الصّحيحة ويعفو الله تعالى عنه.

 


([1]) صحيح ابن حبّان: كتاب الرّقائق، باب التّوبة، الحديث رقم (628).

الآية رقم (196) - لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ

تقلّبهم: تصرّفهم، وفي الأصل التّقلّب: هو حركة ونشاط في الحركة، فعندما يستطيع الإنسان أن يتقلّب أي يستطيع أن ينتقل من مكان إلى مكان، كما كان المشركون وأعداء الدّين في ذلك الوقت يفعلون، فهذا متاعٌ قليلٌ مهما طال؛ لأنّ عمر الدّنيا قليل، وأنت لا تقيس عمر الدّنيا إلّا بعمرك في الدّنيا، فبالنّسبة لك الدّنيا هذه الفترة الزّمنيّة الّتي تعيش فيها من الولادة إلى الموت، بغضّ النّظر عن ملايين السّنين لبقيّة البشر، فعندما تموت تكون الدّنيا قد انتهت بالنّسبة لك. فعلى الإنسان ألّا يغترّ عندما يرى قوّة الكفّار، وانتقالهم في البلاد من مكان إلى آخر، فهو كما أخبر سبحانه وتعالى:

الآية رقم (7) - لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا

ما أحوجنا أن نتدبّر القرآن الكريم ونرى حقائق ديننا الإسلاميّ العظيم الّذي شُوِّهت معالمه من خلال تصرّفات الإرهابيّين والتّكفيريّين الّذين أرادوا للإسلام أن يكون ستاراً لجرائمهم وحقدهم على الإنسانيّة وعلى الأخلاق وعلى القيم، والإسلام إنّما جاء بقيم ثابتة وردت في كتاب الله، وتُستنبط من كتاب الله وسنّة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، لا بدّ لنا أن نعقلها حتّى نعلم أنّ كلّ هذا التّشويه وكلّ هذه الأحقاد الصّهيونيّة المضمرة عبر الزّمن إنّما نفذّت من خلال أولئك المتآمرين المتربّصين بأمّتنا، وقد استخدموا الإسلام كستار للجرائم فحوّلوه من دين اللّطف إلى العنف، من دين العطاء إلى المنع، حوّلوه من دين جمع الكلمة إلى تفريق البلاد والعباد، وبتروا الآيات والأحاديث وشوّهوا وبدّلوا معالم الدّين، فكان لا بدّ لنا من أن نفسّر ونتدبّر القرآن الكريم على حقيقة ما أنزله الله سبحانه وتعالىبعيداً عن إسقاطاتهم المنحرفة الضّالّة الّتي رأيناها، لأكثر من ألف عام كان العالم في ظلام دامس وفي ضلالة وجاهليّة عمياء، فأخرجهم الإسلام من الظّلمات إلى النّور، وأعطى المرأة حقّها، وحوّلها من أداة للزّينة واللّهو واللّعب إلى شريكة في بناء المجتمع والمستقبل، وهذا ما نراه الآن من خلال هذه الآيات العظيمة.

﴿لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ﴾: هذه القسمة مفروضة من الله عز وجل؛ لأنّ المرأة كانت تُمنَع من الميراث.

الآية رقم (186) - لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ

﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ﴾: أوّلاً في المال، والابتلاء يعني الامتحان، الابتلاء في المال أن يذهب هذا المال، وإمّا أن يكون ذهابه بطريقة التّصرّف بالمال. فإمّا أن يكون لديك مال ويذهب فتصبح فقيراً، وإمّا أن تكون غنيّاً ولكنّك تتصرّف بالمال بما يغضب الله، ولا تؤدّي حقّ المال، ولا تعطي الفقير ولا اليتيم ولا ذوي الحاجات وتصرف المال في المعصية، فإذاً هو ابتلاء، يقول سبحانه وتعالى: ﴿فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ﴾] الفجر[، فيعتقد أنّ التّكريم بالمال، ﴿وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ[الفجر]، أي إنّه يعتقد أنّ المال دليل كرامة وأنّ الفقر دليل الإهانة، فيقول الله سبحانه وتعالى بعدها: ﴿كَلَّا فلا المال دليل كرامة ولا الفقر دليل إهانة، وانظر لامتحان المال: ﴿كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَّمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا [الفجر]، التّراث: الميراث. هذا في ميدان الابتلاء بالمال، أمّا في ميدان الابتلاء في الأنفس فمن يستطيع ألّا يمرض فليفعل، من يستطيع أن يمنع أيّ مرض أو أيّ جرثومة أو بكتيريا أن تصيبه؟! لا أحد على الإطلاق، أي إنّه سيُبتلى بنفسه أو إنّه سيموت. هذا نوع من الابتلاء.

الآية رقم (18) - وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا

﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ﴾: أي أنّه يُكثر من السّيّئات ويصرّ عليها ولا يبالي بالدّعوة المتكرّرة للكفّ عن الخطأ.

﴿حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ﴾: عندما يواجه الإنسان الموت ففي هذه اللّحظات لن يستفيد المجتمع شيئاً من توبته، ولن تكون هذه التّوبة دعوة متكرّرة للإصلاح، وتكون هذه التّوبة إنّما بدرت منه؛ لأنّ الإنسان يعتقد في هذه اللّحظات أنّه فقد كلّ ما يملك في هذه الدّنيا وأنّه راحل عنها، فهو يقول: إنّي تبت الآن، فعند ذلك لا تُقبل منه.

الآية رقم (197) - مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ

استمتاعٌ قليل، والمأوى والمآل سيكون في النّهاية إلى جهنّم وبئس المهاد.

والمهاد: هو المكان الّذي يستلقي فيه الإنسان.

الآية رقم (8) - وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا

عند توزيع الأموال إذا حضر بعض الأقرباء الّذين لا يرثون أو اليتامى أو المساكين فأعطوهم منه.

﴿وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا﴾: لا يكفي أن تعطي من مال الله الّذي أعطاك، وخصوصاً مال الميراث، بل يجب أن ترفق هذا المال الّذي تعطيه بالقول المعروف، يجب ألّا يُتبع المنفق صدقته بالأذى.ش