الآية رقم (187) - وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ

هذا تقريع لليهود في المدينة المنوّرة زمن النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو ممتدّ إلى كلّ حين، فالله أخذ ميثاق الّذين أوتوا الكتاب أنّه عليكم أن تبيّنوه للنّاس، ولا تكتمون الحقّ وأنتم تعلمون، لكنّهم نبذوه وراء ظهورهم.

ونبذ الشّيء: طرحه بقوّة.

﴿وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً: كلّ الحياة الدّنيا هي ثمن قليل مقابل هذا النّكران ونبذ ما جاء في كتاب الله جل جلاله.

الآية رقم (19) - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا

يعالج النّصّ القرآنيّ كلّ ما يتعلّق بالمرأة من هضم للحقوق، فعندما يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ﴾: فإنّه يخاطب من دخل في عقد الإيمان مع الله تبارك وتعالى.

﴿لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا﴾: العادات الّتي كانت موجودة هي أنّه إذا مات الإنسان جاء وليّه أو ابنه فيرث المال ويرث زوجة المتوفّى، فالوليّ أو الّذي يرث يأخذ الزّوجة ويضع عباءته عليها فيأخذها ويستحلّها له أو يزوّجها ويقبض مهرها، فكانت المرأة سلعة لذلك قال المولى سبحانه وتعالى في هذه الآية: ﴿وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ﴾: العضل: هو المنع من الزّواج والتّضييق على المرأة. فالمرأة في الإسلام إذا مات زوجها تدخل في العدّة فإذا خرجت من العدّة يحقّ لها أن تتزوّج، لكنّهم كانوا يمنعونها من الزّواج، فحرّم الله ذلك إلّا بحالة واحدة هي الفاحشة المبيّنة والواضحة.   

الآية رقم (198) - لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللّهِ وَمَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ

عندما يقول: ﴿الَّذِينَ اتَّقَوْاْ: فالله سبحانه وتعالى يتحدّث عن حقيقة الدّين؛ لأنّ التّقوى هي جوامع الخير وطاعة المولى وعدم معصيته، وقد أتت هذه الآية بعد الآية المتعلّقة بالنّار وهي مأوى الّذين قاتلوا الرّسول في ذلك الوقت.

﴿نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللّهِ:  النُّزل يعدّ للضّيف، فكيف بما أعدّه ربّ البشر تبارك وتعالى للبشر؟!

﴿وَمَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ: الأبرار: الّذين برّوا بعهدهم مع ربّهم

الآية رقم (9) - وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا

كأنّ الله جل جلاله يقول: إنّك تستطيع وأنت موجود أن تعطي للضّعاف قوّة من خلال تمسّكك بمنهج الله، والإنسان بطبيعته يخشى على ذريّته، فإذا تعامل مع الأيتام كما أمر الله وأنفق عليهم كان هذا هو الحصن له حين يترك مِن خلفه ذريّة ضعافاً، بدليل ما جاء في سورة (الكهف) عن قصّة الرّجل الصّالح مع سيّدنا موسى عليه السلام: ﴿فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ﴾ [الكهف: من الآية 77]، دخلا قرية وكانا جائعين فاستطعما أهلها فرفضوا إطعامهما، ووجدا جداراً يريد أن ينقضّ فبناه الرّجل الصّالح، فاستغرب سيّدنا موسى: ﴿قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾ [الكهف: من الآية 77]، ففي البيان الّذي ورد بعد ذلك في سورة (الكهف): ﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا﴾ [الكهف]

الآية رقم (188) - لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ

الحسبان للأمر أن يظنّه السّامع دون حقيقته.

﴿لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ: هم يفعلون أشياء سيّئة كما فعل اليهود والمشركون في غزوة أُحُد، فلقد خذّلوا النّاس وفرّوا من المعركة وهم فرحون، وإن قاموا بعمل يفرحون بأنّهم فعلوا كذا وفعلوا كذا، ويحبّون أن يحمدوا على فعله، لكنّهم حقيقة لم يفعلوا شيئاً.

﴿فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى بصير بالعباد، ومطّلع على الصّغائر وعلى الأعمال، وهناك قانون عامّ يقضي بأنّ الإنسان يحبّ أن يحمد بما يفعل، وفي هذا تشجيع للإنسان أن يفعل الخير، أمّا إن أضمر الشّرّ وأراد أن يُحمد على ما لم يفعل، ولا يبتغي من وراء عمله إلّا المدح والظّهور في المجتمع فهذا الأمر لا يقرّه الإسلام أبداً.

الآية رقم (20) - وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً

﴿قِنطَارًا﴾: القنطار يُطلق على الكميّة الكبيرة من المال، والمراد به هنا المهر.

﴿فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا﴾: يشدّد هنا على حقوق المرأة الماليّة.

﴿أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً﴾: عندما يحدث الكره ويحدث الطّلاق قد يتّهم الزّوج المرّأة بعرضها ويستحلّ مالها، لذلك جاءت الآيات واضحة في ضبط هذا الموضوع لصالح حقوق المرأة.

وممّا ذُكِر عن القنطار بالمهور أنّ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه خطب النّاس، فحمد الله سبحانه وتعالى وأثنى عليه وقال: “ألا لا تغالوا في صداق النّساء، فإنّه لا يبلغني عن أحد ساق أكثر من شيء ساقه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أو سيق إليه إلّا جعلت فضل ذلك في بيت المال”، ثمّ نزل فعرضت له امرأة من قريش فقالت: يا أمير المؤمنين! أكتاب الله سبحانه وتعالىأحقّ أن يُتّبع أو قولك؟ قال: “بل كتاب الله سبحانه وتعالى، فما ذاك؟”، قالت: نهيت النّاس آنفاً أن يغالوا في صداق النّساء والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه: ﴿وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا﴾، فقال عمر رضي الله عنه: “كلّ أحد أفقه من عمر” مرّتين أو ثلاثاً، ثمّ رجع إلى المنبر فقال للنّاس: “إنّي كنت نهيتكم أن تغالوا في صداق النّساء ألا فليفعل رجل في ماله ما بدا له”([1]).

 


([1]) سنن البيهقي الكبرى: كتاب الصّداق، باب 2، الحديث رقم (14114).

الآية رقم (199) - وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَـئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ

يؤرّخ الله سبحانه وتعالى لإيمان أهل الكتاب الّذين صبروا، وهنا قانون صيانة الاحتمال، فالله تعالى لا يبخس النّاس أشياءهم، فهناك من أهل الكتاب مَن آمن بالله وبما أُنزل على سيّدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.

﴿أُوْلَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ: أولئك الّذين آمنوا بما نزّل على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من أهل الكتاب، ولا يمكن أن يبيعوا دينهم بعرض قليل من هذه الحياة الدّنيا لهم أجر لا يمكن تصوّر مقداره؛ لأنّه من عند الله سبحانه وتعالى.

﴿إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ: حتّى لا يغترّ الإنسان في هذه الحياة الدّنيا ويعتقد أنّه لن يُحاسب، فليعلم أنّ الله سريع الحساب؛ لأنّه ما بين حياتك وموتك لحظات وستتعرّض لهذا الحساب على ما قدّمت من عمل صالح أو طالح.

ثمّ يختم المولى سبحانه وتعالى سورة (آل عمران) بهذه الآية العظيمة:

الآية رقم (10) - إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا

اليتيم في المجتمع مكفول بمنهج الله، فالذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً يأكلون في بطونهم ناراً، وقد تكون ناراً في الحياة الدّنيا قبل عذاب الآخرة وسيصلَون -لا شكّ- سعيراً، وهذا تشديد في الوعيد من الله لمن يأكل أموال الأيتام.

الآية رقم (189) - وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

بعد كلّ ما ذكره المولى سبحانه وتعالى عن غزوة أُحُد ومخالفة الرّماة وعن الشّهادة وعن فعل اليهود ومؤامراتهم وعن مكرهم وضلالهم وحقدهم أراد الله أن يُعلّم البشر أنّه لا يجري شيء في ملكه إلّا بأمره، وهو قانون عامّ:

﴿وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ: له الملكيّة وله القدرة، هذا قانون حتّى يطمئنّ المؤمن، وحتّى يُنذر المشرك والكافر والجاحد بأنّ هذا ملك الله وهذه قدرته، وأنّه يملك كلّ شيء، ولا شيء في ملكه خارج عن قدرته.

﴿وَاللّهُ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ: يملك ويقدر وهو الوحيد الفعّال لما يريد، وهو يملك السّماوات ويملك الأرض، ويقول سبحانه وتعالى في آيات أخرى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[آل عمران]، يملك من يملك أيضاً، فملوك الأرض يعتقدون أنّهم يملكون، والله مالك الـمُلك، يملك السّماوات والأرض، ومَن في السّماوات ومَن في الأرض.

الآية رقم (21) - وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا

ما أعظم هذه العلاقة المتينة الّتي ربط الله بها المرأة والرّجل في الزّواج، الإفضاء: اتّصال واسع بينك وبين زوجتك بالأنفاس والطّعام والمعاشرة..

﴿وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا﴾: الميثاق: هو العهد بين اثنين، إذاً جعل الله عقد الزّواج ميثاقاً غليظاً، لذلك نقول للّذين يتلاعبون بعقود الزّواج وما يتعلّق بها: إنّ الله نصّ في القرآن الكريم على أنّ عقد الزّواج هو ميثاق عهد بين اثنين، عهدٌ غليظٌ قويٌّ شديدٌ متينٌ، وعقد الزّواج له شروط كما هو معروف، فلا بدّ من الإيجاب والقبول بين الشّريكين، ولا بدّ من المهر، ولا بدّ من الشّهود، ولا بدّ من الإشهار حتّى يكون الأمر واضحاً، لذلك نحن نقول: إنّ عقد الزّواج هو عقد غليظ  غلّظه الله سبحانه وتعالىوشدّد عليه حتّى لا يعتريه في أيّ لحظة ضعف ووهن، والنّبيّ بيّن أبعاد العلاقة الّتي رُبطت بهذا الميثاق الغليظ في حجّة الوداع فقال صلَّى الله عليه وسلَّم: «أَمّا بَعْدُ أَيّهَا النّاسُ، فَإِنّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقّاً، وَلَهُنّ عَلَيْكُمْ حَقّاً، لَكُمْ عَلَيْهِنّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ وَعَلَيْهِنّ أَنْ لَا يَأْتِينَ بِفَاحِشَةِ مُبَيّنَةٍ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَإِنّ اللّهَ قَدْ أَذِنَ لَكُمْ أَنْ تَهْجُرُوهُنّ فِي الْمَضَاجِعِ وَتَضْرِبُوهُنّ ضَرْباً غَيْرَ مُبَرّحٍ، فَإِنْ انْتَهَيْنَ فَلَهُنّ رِزْقُهُنّ وَكُسْوَتُهُنّ بِالْمَعْرُوفِ، وَاسْتَوْصُوا بِالنّسَاءِ خَيْراً، فَإِنّهُنّ عِنْدَكُمْ عَوَان لَا يَمْلِكْنَ لِأَنْفُسِهِنّ شَيْئاً، وَإِنّكُمْ إنّمَا أَخَذْتُمُوهُنّ بِأَمَانَةِ اللّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنّ بِكَلِمَاتِ اللّهِ، فَاعْقِلُوا أَيّهَا النّاسُ قَوْلِي، فَإِنّي قَدْ بَلّغْت»([1])، هل هناك تشريع في الدّنيا يعطي الزّوجة هذه الحقوق الّتي بيّنها النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم؟ وعليك أيّها المؤمن أن تعامل زوجتك كما كان صلَّى الله عليه وسلَّم يعامل زوجاته، قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي»([2])، وكان النّبيّ في عمل أهله في داخل المنزل، وكان يساعد زوجاته في كلّ أمر من الأمور، فهل من الإنصاف أن يهضم رجل حقوق المرأة بعد هذه الشّراكة وهذا الإفضاء الواسع؟!

أيّ قوانين أو تشريعات على وجه الأرض ممكن أن تعطي السّعادة الزّوجيّة وحقوق المرأة أكثر من هذه الآيات ومن هذه الأحاديث النّبويّة الصّحيحة الّتي وردت عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؟!

 


([1]) سيرة ابن هشام: ج2، ص 603-605.
([2]) سنن التّرمذيّ: كتاب المناقب، باب فضل أزواج النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، الحديث رقم (3895).

الآية رقم (200) - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

هذا قانون وقاعدة إلهيّة عامّة وكلّ من آمن بالله عليه أن يأخذ بها وأن يستعدّ لأن يكون ممتثلاً لأمر الله سبحانه وتعالى؛ لأنّه دخل بعقد إيمانيّ مع الله، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْهذا الأمر لمن آمن بالله ولمن أيقن أنّ الأمر بيد الله تبارك وتعالى، وبأنّ قضاء الله نافذ، وأنّ الله سبحانه وتعالى هو الّذي يضرّ وينفع، ويعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، وأنّ ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، هذا الإنسان المؤمن كلّفه الله وأمره أن يصبر ويصابر ويرابط ويتّقي الله سبحانه وتعالى.

﴿اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ: ما الفرق بين الصّبر والمصابرة؟ صابروا: هناك مفاعلة، أمّا اصبروا: أي اصبر في نفسك، اصبر على ما تُبتلى به في الحياة الدّنيا، ولا يمكن أن تترجم الإيمان إلّا بالصّبر، لذلك قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «الصّبر نصف الإيمان»([1])؛ ولذلك الصّائم صابر، فكلّ أنواع الابتلاءات في هذه الحياة الّتي يتعرّض لها الإنسان من عالم الأغيار الّذي يعيش فيه، من انتقال من صحّةٍ إلى مرضٍ، ومن قوّةٍ إلى ضعفٍ، ومن شبابٍ إلى هرمٍ، ومن غنى إلى فقر، ومن حياةٍ إلى موتٍ، ومن سرورٍ إلى المنغّصات والآلام والأحزان، وكلّ ما يجري على بني آدم، ولا يستطيع أحد أن يتخلّف عن قانون الابتلاء الإلهيّ: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ [الملك]

الآية رقم (11) - يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا

هنا بدأت الآيات المتعلّقة بأحكام الميراث، وهذه آيات مهمّة جدّاً سنتعامل معها بشيء من العموميّة؛ لأنّ تفصيل أحكام الميراث هو مجال تخصّصيّ، وهو علم خاصّ اسمه علم المواريث أو علم الفرائض.

﴿يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ﴾: كلّ المشكّكين في الإسلام يرون أنّ الإسلام جعل المرأة نصف الرّجل، ويستدلّون بهذه الآية، ونقول لهم عكس ذلك تماماً، فأكبر دليل على حقوق المرأة هو هذه الآية، بل وأضف إلى ذلك أكبر دليل على أنّ المرأة أخذت أكثر من الرّجل هذه الآية: ﴿يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ﴾، حصّة الأنثى هي الأكثر وهي الأساس، لماذا؟ لأنه لدينا في الحالات الّتي توزّع فيها أنصبة المواريث ثلاث وثلاثون حالة تأخذ فيها المرأة أكثر من الرّجل، وحالة واحدة يكون لها نصف نصيب الذّكر، فمن لا يعرف هذا الكلام لا يحقّ له أن يتهجّم على الإسلام.

الآية رقم (190) - إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ

سئلت السيّدة عائشة رضي الله عنها: أخبرينا بأعجب شيء رأيتِه من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، قال: فسكتت ثمّ قالت: لـمّا كان ليلة من اللّيالي قال: «يا عائشة، ذريني أتعبّد اللّيلة لربّي»، قلت: والله إنّي لأحبّ قربك وأحبّ ما سرّك، قالت: قام فتطهّر ثمّ قام يصلّي، قالت: فلم يزل يبكي حتّى بلّ حجره، قالت: ثمّ بكى فلم يزل يبكي حتّى بلّ لحيته، قالت: ثمّ بكى فلم يزل يبكي حتّى بلّ الأرض، فجاء بلال يؤذنه بالصّلاة فلمّا رآه يبكي قال: يا رسول الله، لمَ تبكي وقد غفر الله لك ما تقدّم وما تأخّر؟ قال: «أفلا أكون عبداً شكوراً، لقد نزلت عليّ اللّيلة آية، ويل لمن قرأها ولم يتفكّر فيها: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ﴾»([1]).

إذاً علينا بهدوء ورويّة أن نتفكّر بها، وأن نتأمّلها كما كان النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم.

الآية رقم (22) - وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلاً

الآن نأتي للمحرّمات بالنّسبة للزّواج، وهي تتعلّق بالفطر السّليمة والخُلق القويم والسّلوك الرّشيد، فالحكم الشّرعيّ هو حكم لصالح الإنسان ولتكريمه.

أوّل المحرّمات أن تتزوّجوا ما تزوّج آباؤكم من النّساء إلّا ما قد سلف، أي ما مضى سابقاً، فقبل نزول هذه الآيات إن توفّي الرّجل وكان متزوّجاً يستطيع الابن أن يتزوّج زوجة الأب، وعندما جاء الإسلام حرّم هذا، فزوجة الأب بمثابة الأمّ لا يحلّ له أن يتزوّجها.

﴿إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا﴾: حتّى إنّهم يسمّونه زواج مقت، والولد الّذي يأتي من هذا الزّواج يسمّونه المقت، فهذا الأمر حتّى الفطرة تشمئزّ منه، فهو أمر فاحش وغير أخلاقيّ وممقوت ومرفوض.

﴿وَسَاء سَبِيلاً﴾: أي ساء طريقاً.

بعد ذلك يعدّد ما يحرم على الإنسان من النّسب وما يحرم من الرّضاعة في هذه الآية التّالية:

الآية رقم (1) - يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ﴾: المطالبة بأن نتّقي الله سبحانه وتعالى الّذي يعطي الدّلائل والإثباتات على أنّه هو الخالق: ﴿الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ وهي نفس آدم عليه السلام، والخلق: هو إيجاد من عدم، وإمداد من عدم، الله خلق وأمدّ النّاس بالماء والهواء والزّرع وكلّ ما نراه.

قال هنا: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ﴾: ولم يقل: (يا أيّها النّاس اتّقوا الله)؛ لأنّه عندما يتحدّث عن الألوهيّة يتحدّث عن الطّاعة، أمّا عندما يتحدّث عن الرّبوبيّة فإنّه يتحدّث عن العطاء، فالله قبل كلّ شيء هو الّذي خلقنا من نفس واحدة، فإذاً أيّ مساواة وأيّ حقوق إنسان يمكن أن تعدل هذه الآية في القرآن الكريم، الّذي خلقنا سواسية كأسنان المشط، فلا كبير ولا صغير، ولا أمير ولا مأمور، ولا أبيض ولا أسود ولا أحمر، ولا غنيّ ولا فقير، ولا ضعيف ولا قويّ.. النّاس جميعاً خُلقوا من نفس واحدة

الآية رقم (12) - وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ

ندع تفصيل الرّبع والثّمن هنا لأهل الاختصاص؛ لأنّها تتعلّق بأحكام المواريث.

﴿مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾: دائماً من بعد وصيّة أو دين، فلا تستطيع أن توزّع الميراث حتّى تُخرج الحقوق المعلّقة في هذا الميراث.

﴿وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً﴾: كلالة تعني ليس له أصول ولا فروع، أي ليس لديه أب ولا ولد.

﴿وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ﴾: الأخ والأخت هنا لأمّ؛ لأنّ أحكام الأخوّة لأب تأتي في موضع آخر.

﴿غَيْرَ مُضَآرٍّ﴾: توزيع الميراث بهذا الشّكل لا يمكن أن يأتي منه ضرر؛ لأنّه توزيع إلهيّ وهو فريضة من الله سبحانه وتعالى.

الآية رقم (191) - الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ

إذاً الذّكر يصاحب الفكر، وهذا دليلٌ على أنّ أوّل مَن يجب أن يتوصّل إلى العلوم، وأوّل من يجب أن يكون مخترعاً ومكتشفاً وحضاريّاً وعلميّاً هو المؤمن؛ لأنّه مُطالب بذلك من خلال القرآن الكريم.

﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ: قيل في تفسيرها: إنّ المقصود هو الصّلاة، فالصّلاة لا تسقط في حال من الأحوال، فإن لم تستطعها قائماً صلّيتها قاعداً، وإن لم تستطعها قاعداً صلّيتها مستلقياً، والصّلاة هي الذّكر؛ لأنّك تذكر المولى خلالها، والذّكر ضدّ النّسيان، أي إنّي جعلت الله تعالى في بالي بشكل دائم، كما قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «أن تعبد الله كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك»([1]).

الآية رقم (23) - حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا

كلّ الأصول والفروع محرّمة، أي الأمّهات وكلّ ما علا من الأصول أمّ الأمّ وأمّ الأب، وبناتكم وهنّ الفروع أي لا يحلّ للإنسان أن يتزوّج من ابنته ولا ابنة ابنته ولا ابنة ابنه هذه الفروع بالتّسلسل، كما يحرم على الإنسان أن يتزوّج من أخواته وعمّاته وخالاته، والنّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم حرّم الزّواج من عمّة وخالة الزّوجة أيضاً، وبنات الأخ وبنات الأخت.

﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ﴾: الّتي أرضعتك أصبحت كأمّك، وكلّ ما حُرّم من النّسب حُرّم بالرّضاعة، أي الأمّ وأمّها أي الجدّة، الأمّ وأولادها، الأخوات من الرّضاعة أيضاً من المحرّمات.

﴿وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ﴾: أي أمّ الزّوجة.

﴿وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ﴾: بنت الزّوجة لا يحلّ للرّجل أن يتزوّجها.

الآية رقم (181) - لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ

سبب النّزول:

عن عكرمة أنّ النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم لـمّا بعث أبا بكر إلى فنحاص اليهوديّ يستمدّه، وكتب إليه، وقال لأبي بكر: «لا تفتت عليّ بشئ حتّى ترجع إليّ»، فلمّا قرأ فنحاص الكتاب قال: قد احتاجَ ربّكم؟ قال أبو بكر: فهممت أن أمدّه بالسّيف، ثمّ ذكرت قول النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «لا تفتت عليّ بشيء»، فنزلت: ﴿لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء الآية([1]).

الآية رقم (171) - يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ

هم يستبشرون بنعمة من الله، وليست فقط النّعمة، وإنّما ما هو أكثر من النّعمة وهو الفضل، ﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ [النّحل]،  إنّ اسم المعنى (النّعمة) لا يعدّ، لكنّ نعمة الله تشمل آلاف النّعم وهي مكتنزة في نعمة واحدة، فانظر إلى نعمة الماء مثلاً كم يوجد فيها من نِعَم، تزرع بها وتروي الظّمأ وتأكل بالاستعانة بها؛ لأنّ الطّعام يوضع له الماء وتحيي الأرض بعد موتها كما قال سبحانه وتعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ [الأنبياء: من الآية 30]، فعندما يقول المولى سبحانه وتعالى: ﴿يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍفالنّعمة الواحدة من الله تشمل آلاف النّعم ضمناً؛ ولأنّ الأمر يتعلّق بالشّهداء فالله لم يكتف بأن يُنعِم عليهم، بل هناك زيادة على النّعم وهي الفضل الّذي يعطيه الله سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ [يونس]

﴿وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ: عند الله لا يضيع أجر، والأجر يكون على العمل، فعندما يعمل العامل عملاً فإنّه يستحقّ عليه أجراً، فكيف إذا كان هذا العمل أن يضحّي بنفسه؟!