الآية رقم (185) - شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ

الآن تبدأ الأحكام المتعلّقة بشهر رمضان.

(شَهْرُ): من الإشهار، وهو الإعلان، الشّهر يتعلّق بالقمر، واليوم يتعلّق بالشّمس، لذلك شهر يُشهر عندما ترى القمر هلالاً، وكلّ العبادات من زكاة وصيام وحجّ تتعلّق بالشّهور.

(رَمَضَانَ): من الرّمضاء وهي الحرّ الشّديد، أو أنّه عندما نزل الأمر الإلهيّ بصوم رمضان كان رمضان في أشهر الحرّ.

(الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ): إذاً قيمة شهر رمضان بأنّه كان الوعاء الزّمنيّ لاستقبال القرآن الكريم.

نعود إلى الحديث الّذي أَهَّل به النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم المسلمين لقدوم رمضان، ماذا قال فيه؟ أيّها النّاس قد أظلّكم شهرٌ عظيمٌ مباركٌ، شهر عظيم مبارك فيه ليلة خير من ألف شهر، نزل القرآن الكريم في هذه اللّيلة المباركة الّتي هي ليلة القدر

الآية رقم (196) - وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ

الحجّ هو الرّكن الخامس من أركان الإسلام يأتي بعد صيام رمضان.

(وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ۚ): الواو واو العطف، والعطف يكون عطفاً لمتشاركَين أو مُتغايرَين، والحجّ غير العمرة، وعطف العمرة على الحجّ هنا من عطف متغايرين، الحجّ غير العمرة، فالحجّ له وقت: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ) [البقرة] أمّا العمرة فتصحّ في كلّ وقت، إذاً هذا فارق، الحجّ يوجد فيه وقوف بعرفة (الحجّ الأكبر)، والعمرة لا يوجد فيها وقوف بعرفة، إذاً هذا فارق آخر، إذاً مشاركة ومغايرة، لكنّه تبارك وتعالى قال: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ۚ) وكأنّهم كانوا يقومون بالحجّ والعمرة ناقصة قبل الإسلام أو بعد الإسلام من دون معرفة الأحكام المتعلّقة بأمور الحجّ، وجاءت بعض الأحكام التّفصيليّة هنا عن الإحرام وما يتعلّق بالحجّ، لكن نلاحظ قوله تعالى:  (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ۚ) فهل يحجّ أحد أو يعتمر لغير الله رغم كلّ الصّعوبات المتعلّقة بالحجّ؟! نعم، مَن يَحجّ بمال حرام فكأنّه حجّ لغير الله. والأصل أن يكون الطّريق إلى الحجّ مؤمّناً، (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ) [آل عمران: من الآية 97]، فلا تحتلْ حتّى تذهب إلى الحجّ، ولا تدفعْ رشوة لتحصل على أذون للوصول إلى الحجّ، وطالما أنّ الحجّ لله، فقد قال لك: (مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ) فيجب أن تتحقّق الاستطاعة، يجب أن يتوفّر الزّاد، يجب أن يُؤمَّن الطّريق، يجب أن يكون المال الّذي تحجّ به مالاً حلالاً، من كسب طيّب، زائداً عن نفقة عيالك إلى أن تعود، وأن تكون بريئاً من الدَّين للآخرين، أو تستأذنهم في الحجّ ويُنظِرونك في دَينهم.

والحجّ: هو قصد إلى معظّم، القصد إلى بيت الله الحرام.

الآية رقم (186) - وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ

هذه الآية قطعت ما بين فريضة الصّوم وما بين أحكام الصّوم، لها معنىً عظيم هو أنّك عندما تُمنع تُمنح، وأعظم المنح أن تشعر بالقرب من الله تبارك وتعالى.

(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي): إذ أنّه من الطّبيعي ومن الضّروري أن يشعر العبد بالقرب (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ) .

وردت مادّة السّؤال في القرآن الكريم عدّة مرّات وهي من عظمة هذا التّنزيل وهذا التّشريع، فبعد أن نزل القرآن الكريم دفعة واحدة من اللّوح المحفوظ إلى السّماء الدّنيا، نزل منجّماً على قلب المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم، ليؤدّي دوره في الهداية مع سيّدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حسب الأحداث، (كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ) [الفرقان: من الآية 32]؛ تثبيتاً لفؤاد النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وإجابةً على التّساؤلات، فهذه الآيات تأتي إجابة على تساؤلات البشر، هي موجودة في اللّوح المحفوظ لكن تتنزّل عند السّؤال.

الآية رقم (197) - الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ

(الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ): أعمال الحجّ وواجباته وأركانه يتمّها الحاجّ في أيّام وليس في أشهر، لكن الاستعداد والسّفر إلى الحجّ، والطّريق إلى الحجّ وما يتعلّق بمناسك الحجّ، قد تحتاج إلى هذه الأشهر: شوّال وذي القعدة وذي الحجّة، قلنا: إنّ الصّيام محدّد بشهر رمضان، (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) [البقرة: من الآية 185]، أمّا بالنّسبة إلى الحجّ فهو هذه الأشهر الثّلاثة المعدودة، طبعاً وما يتعلّق بذي القعدة وذي الحجّة تحديداً.

(مَّعْلُومَاتٌ): أشهر الحجّ كانت معلومة، وكانت العرب تحجّ البيت قبل الإسلام، وحجّ البيت ابتدأ من نداء سيّدنا إبراهيم عليه السَّلام، قال سبحانه وتعالى: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) [الحجّ]،  فهذه الآيات تبيّن لنا أنّ الّذي أذّن في النّاس بالحجّ هو سيّدنا إبراهيم الخليل عليه السَّلام، وعندما نقول: (أذِّن) يعني: أعلم، وجاءت من الأُذن، والآذان جاء من الأُذن.

الآية رقم (187) - أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ

إذاً لا يوجد انقطاع بين الآية الّتي فرض فيها الصّيام وبين الآية الّتي بيّنت أحكام الصّيام حيث فصَلتْ بينهما آية الدّعاء؛ لأنّ الدّعاء جزء من الصّيام، وهو من أهمّ العبادات.

(أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ): طالما تسمع كلمة أحلّ إذاً كنت تعتقد أنّه كان محرّماً الرّفث إلى النّساء.

(الرَّفَثُ): هو مقدّمة الجماع، عندما يأتي الرّجلُ أهلَه، وكان المسلمون بادئ الأمر يعتقدون بأنّه لا يجوز للإنسان أن يقرب زوجته خلال شهر الصّيام أي كلّ شهر رمضان، فقال سبحانه وتعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ)؛ لأنّ بعضهم حرّم على نفسه ليلة الصّيام أن يقرب أهله، وليلة الصّيام هي من غروب الشّمس إلى الفجر.

الآية رقم (198) - لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ

الحجّ يختلف عن العمرة، بركن الوقوف في عرفة بل الحجّ عرفة([1]) كما قال عليه الصّلاة والسّلام.

(لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ):  الجناح الإثم، ولـمّا أمر الله تبارك وتعالى بتنزيه الحجّ عن الرّفث والفسوق والجدال رخّص في التّجارة، والمعنى لا جناح عليكم في أن تبتغوا فضل الله، وابتغاء الفضل ورد في القرآن الكريم بمعنى التّجارة، قال الله سبحانه وتعالى: (فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ) [الجمعة: من الآية 10]، والدّليل على صحّة هذا ما رواه البخاريّ عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: كانت عكاظ ومجنَّة وذو المجاز أسواقاً في الجاهليّة فتأثّموا أن يتّجروا في المواسم فنزلت: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ) في مواسم الحجّ([2])، وهذا دليل على جواز الاتّجار في الحجّ مع أداء العبادة والنّسك.

(فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ): ما هي الإفاضة؟ الفائض عن الكأس من الماء ما زاد عنه بعد امتلائه، فالزّيادة عن الموجود، افترق عنه ففاض عن الموجود، ودائماً عرفات عندما تنظر إليها ترى بأنّها فائضة، وكلمة الإفاضة من عرفات كأنّه كأس ممتلئة، ومنذ ذلك الوقت وحتّى الآن وهي تمتلئ، ولم يأت موسم أو عام من الأعوام إلّا وعرفات ممتلئة وتفيض، لذلك كانت هذه الآية بهذه الدّقّة:

(فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ) عرفات يعرف فيها الإنسان ربّه ويعرف نفسه ويعرف ذنبه في ذلك الموقف العظيم، هناك أقوال عديدة لماذا سمّيت عرفات بهذا الاسم؟ لم يرجح فيها قول على آخر.

الآية رقم (188) - وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ

(وَلَا تَأْكُلُوا): الأكل لا يُطلَق على ما يدخل المعدة من طعام فقط، المال هل يؤكل؟ (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ) هنا يتحدّث عن المجتمع المسلم، لكن ما علاقة النّهي عن أكل الأموال بالباطل بالصّيام؟

الصّيام ليس للجوع والعطش، وإنّما للتّقوى والقرب من الله سبحانه وتعالى، (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)، لكن ما هي شروط إجابة الدّعاء؟ وقد ذكر النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: الرّجل يطيل السّفر أشعث أغبر يمدّ يديه إلى السّماء يا ربّ يا ربّ، ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذّي بالحرام فأنّى يستجاب لذلك؟([1]). الّذي غُذّي من حرام ويأكل المال بالباطل فلا يمكن أن يُستجاب له، ولا يكون من المتّقين، وصيامه امتناع عن الطّعام والشّراب فقط.

(وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ): من أكل بباطل جاع بحقّ، من يأكل أموال النّاس فإنّه سيجوع، ومثاله: رجل يملك دنيا عريضة ولا يستطيع أن يأكل طعاماً يأكله أكثر النّاس فقراً في هذه الدّنيا، فكلّ هذا المال الّذي جمعه من حرام يكون بالنّسبة له لا قيمة له. من يأكل حقّ غيره من الميراث، أو يأكل حقّ أخواته البنات، أو جمع مالاً من حرام وورّثه لأولاده ماذا يكون حالهم من هذا الميراث؟ الجواب: من أكل بباطل جاع بحقّ.

(وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ): أكل مال النّاس بالباطل يكون بدفع الرّشوة، والرّشوة تُدفع لمن يحكم في أيّ قضيّة من القضايا، ليس فقط قضاة المحاكم، بل كلّ من يكون له حكم في قضيّة ما، مثال: أتيت إلى كوّة مصرف لتقبض مالاً وكان هناك مَن يقف بالدّور، فدفعت رشوة وأخذت دور غيرك، فأنت أكلت مالاً بباطل؛ لأنّك أخذت زمن غيرك، لا تستطيع أن تعمل هذا الشّيء إلّا بدفع رشوة، فأكل المال بالباطل يحتاج إلى رشوة.

(وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ): أين ذكر الرّشوة في هذه الآية؟

(وَتُدْلُوا): من الدّلو، والحبل الّذي يعلّق به الدّلو اسمه الرِّشاء، من هنا جاءت كلمة الرّشوة، لذلك جاءت الجملة (وَتُدْلُوا بِهَا) أي الرّشوة.

(بِالْإِثْمِ): الإثم هو الذّنب.

(وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ): لا يمكن أن تأكل حقّ غيرك، إلّا وأنت تعلم أنّك تأكل حقّ غيرك، فكلّ فساد بالمجتمع السّبب الأساس فيه هو أكل المال بالباطل، الفساد هو تغير موازين العدل في المجتمع، فعندما يكون هناك سرقة واختلاس وغصب ورشوة فهذا فساد وسببه أنّ الإنسان يريد أن يأكل حقّ غيره.

حتّى الزّنى هو اعتداء على حقّ الغير، أتى فتى من قريش النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: يا رسول الله ائذن لي في الزّنا، فأقبل القوم عليه وزجروه فقالوا: مه مه، فقال: ادنه، فدنا منه قريباً فقال: أتحبّه لأمّك؟، قال: لا والله، جعلني الله فداك، قال: ولا النّاس يحبّونه لأمّهاتهم، قال: أفتحبّه لابنتك؟، قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك، قال: ولا النّاس يحبّونه لبناتهم، قال: أفتحبّه لأختك؟، قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك، قال: ولا النّاس يحبّونه لأخواتهم، قال: أتحبّه لعمّتك؟، قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك، قال: ولا النّاس يحبّونه لعمّاتهم، قال: أتحبّه لخالتك؟، قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك، قال: ولا النّاس يحبّونه لخالاتهم، قال: فوضع يده عليه وقال: اللّهمّ اغفر ذنبه، وطهّر قلبه وحصّن فرجه، فلم يكن الفتى بعد ذلك يلتفت إلى شيء([2])، فعالجها النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم على أنّها اعتداء على حقوق النّاس، وتعدّي على حقوق الغير.

وتسهيل الفساد هو فساد ويكون ذلك عن طريق الرّشاء أي الرّشوة، لذلك لعن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الرّاشي والمرتشي والرّائش، يعني الّذي يمشي بينهما([3])؛ لأنّ الرّشوة هي عمليّة تُحضَّر من أجل إفساد المجتمع بشكل كامل، ونحن نقول: إنّنا بحاجة إلى القيم الأخلاقيّة، فأيّ قيم أخلاقيّة يمكن أن تكون كالقيم الموجودة في هذه الآيات؟ تسدُّ كلّ منافذ الفساد.

وليس بعامرٍ بنيانُ قومٍ
وإذا أُصيب القومُ في أخلاقهم

إذا أخلاقُهم كانت خَرابا
فأقمْ عليهم مأتماً وعَويلا

الآية رقم (199) - ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ

(ثُمَّ) هنا للتّراخي بالزّمن، وهي تؤيّد قول من قال من الفقهاء: لا بدّ من المبيت بمزدلفة؛ لأنّ في (ثُمَّ) إشارة إلى أنّه بعد مبيتكم بمزدلفة، (أَفِيضُوا)

الإفاضة الثّانية من مزدلفة إلى مِنى.

(مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ) قال بعضهم في تفسير (النَّاسُ):  إنّه إشارة إلى المساواة بين جميع النّاس؛ لأنّك في الحجّ لا تجد فرقاً بين غنيّ وفقير، ولا بين قويّ وضعيف، ولا بين أمير ومأمور، منظر مصغّر عن يوم الحشر حيث يتساوى النّاس في اللّباس، ويلهجون بدعاء واحد، ويسألون ربّاً واحداً، وخصوصاً في عرفات، حيث يجتمع كلّ الحجاج دفعة واحدة، ولا تجد ذلك الحشد في الطّواف حيث لا يجتمع كلّ الحجاج للطّواف دفعة واحدة، فبعد نزول الحجّاج من عرفات بعضهم يبيت في مزدلفة، وبعضهم ينتقل لمنى، وبعضهم يطوف حول البيت، وبعضهم يسعى بين الصّفا والمروة، ولَـمّا كان الحجّ عرفة، فلذلك مع نهاية غروب شمس يوم عرفة في حجّة الوداع قال النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم لبلال: يا بلال أنصت لي النّاس فقام بلال فقال: أنصتوا لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فأنصت النّاس فقال: معاشر النّاس، أتاني جبريل آنفا فأقرأني من ربّي السّلام وقال: إنّ الله غفر لأهل عرفات وأهل المشعر وضَمِن عنهم التّبعات([1])، هذا موقف عرفات فهو ستر وشكر وفكر وتقرّب من الله سبحانه وتعالى تحت عنوان ذكر الله سبحانه وتعالى.

الآية رقم (178) - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ

نقف هنا عند مدلول هذه الآية تحديداً، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ الله سبحانه وتعالى يقول: أنا لا أكلّفكم اقتحاماً على إرادتكم، لكنّكم أنتم آمنتم، ومن لم يؤمن فليس مكلّفاً، هل قال أحدٌ: إنّ الإيمان بالإجبار؟ لكن إن أنت اخترت الدّين فعليك العمل بمتطلّباته، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أي يا من آمنتم بي خذوا بتكليفي، فليس هناك اقتحام على الإرادة، وهنا ينبغي الانتباه إلى أنّ من يأتي ممّن انتسب إلى الإيمان في هذا العصر ليقول: أنا حرّ، أنت لست حرّاً هنا، أنت حرّ أنّ تؤمن أو تكفر، حرّ أن تأخذ بالإسلام أو لا تأخذ به، لكن إن اخترت الإسلام فلست حرّاً أن تخرّب الإسلام، ولست حرّاً في أن تتفلّت من تعاليمه، ولست حرّاً في أن تزعم أنّ الإسلام لم يحرّم الرّبا والخمر، وأنّ حجاب المرأة ليس مفروضاً… إلخ، لست حرّاً في أن تلصق بالدّين ما ليس منه، ولا أن تحلِّل ما حرّم الله ولا تحرّم ما أحلّه، هناك قضايا ثابتة بالدّين وثابتة بنصوص الكتاب والسُّنّة، ولا اجتهاد في مورد النّصّ، فليسمع القاصي والدّاني، شهادةُ حُسنِ سلوكنا هي ديننا فلسنا بحاجة لأن نقدّم شهادة حسن سلوك لأحد، وأن نميّع الدّين ونقول: إنّ هذا ليس من الدّين وهذا ليس صحيح لا يوجد بالدّين، ونُحلّل الحرام ونُحرّم الحلال و… ثمّ نقول: هكذا الإسلام، لا ليس الإسلام هكذا، الإسلام هو ما قاله الله تعالى وما جاء به رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى﴾: لماذا يوجد قصاص؟ لو لم يكن هناك قصاص لتحوّلت الدّنيا إلى غابة، القصاص من أجل أن يكون هناك حياة، فالقصاص في القتلى، ليس الإنسان حرّاً في أن يقتل إنساناً، لا بدّ أن يكون هناك قصاص.

﴿الحُرُّ بِالْحُرِّ وَالعَبْدُ بِالعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى﴾: فإن قتل حرّ عبداً، أو قتل ذكرٌ أنثى، فما معنى هذا؟ الآن يأتي المتطرّفون والّذين لا يفهمون من الدّين شيئاً ويفسّرون هذه الآية: ﴿الحُرُّ بِالْحُرِّ وَالعَبْدُ بِالعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى﴾ فإذا افترضنا أنّ ذكراً قتل أنثى، فما هي الدّيّة؟ إذا الذّكر قتل أنثى وإذا الحرّ قتل عبداً أو إذا عبد قتل حرّاً، ما الحكم؟

الآية رقم (189) - يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

السّؤال الّذي وُجّه للنّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن الأهلّة حقيقةً لم يكن مقصوداً منه معرفة أحكام الشّرع، وإنّما هو سؤال تعجيز للنّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم من قِبَل اليهود والمشركين في ذلك الوقت، فالنّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم لم يكن عالم فلك، وإنّما بُعِث صلَّى الله عليه وسلَّم هادياً ومبشّراً ونذيراً وداعياً إلى الله، لذلك فإنّه لا يمكن أن يجيب النّاس في ذلك الوقت إلّا وفق قدرة عقولهم على تقبّل المعلومات، فالعقول لا تطيق المعاني العلميّة في ذلك الوقت؛ لأنّه لم يكن معروفاً أنّ الأرض كرويّة، ولا شيء عن علوم الفضاء وما فيه من مجرّات ونجوم وشمس وقمر، قال تبارك وتعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا) [يونس: من الآية 5]، وإنّما يُنتظر حتّى يأتي زمن يكشف النّاس عن الحقائق العلميّة

الآية رقم (200) - فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ

(فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ): ما هو المنسك؟ هو مكان العبادة الّتي يقوم بها الإنسان، فنقول: مناسك الحجّ كما في هذه الآيات.

(فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا): اذكروا الله كذكركم آبائكم، كما ذكرنا بأنّهم كانوا قبل الإسلام يذكرون آباءهم، ونحن هنا في منسك، والمنسك هو المكان الّذي فيه عبادة، منسك عرفات ومنسك مزدلفة ومنسك مِنى، فإذا قضيتم هذه المناسك (فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا) عيشوا مع ذكر الله سبحانه وتعالى، وذكر الله هو ضدّ النّسيان، تذكّر الشّيء ضدّ نسيانه، عندما تقول: اذكر أحمد مثلاً -ولله المثل الأعلى- فأنت قد تكون نسيته فتُخطِر أحمد على بالك، هذا معنى أن تذكر هنا فالله سبحانه وتعالى في كلّ آية من آيات الحجّ يأمر بالذّكر، (وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ) [البقرة: من الآية 198]، بعد أن تنتهوا من مناسككم الّتي أدّيتموها اذكروا الله كذكركم آباءكم، تعلّقوا بالله، عيشوا مع الله، كونوا لله؛ لأنّ هذه المناسك الّتي أدّيتموها وأقمتم فيها هي من إحدى رحلات العمر الّتي لا تُنسى، هي رحلة الرّوح  وتحليقها وسموّها ومعراجها لخالقها، والنّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: من حجّ لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمّه([1])، فإذاً لا بدّ أن تكون مع الخالق، فالخلق عندما يعيشون أو يذكرون الخالق فإنّ النّعم تتوالى عليهم من خالقهم سبحانه وتعالى.

الآية رقم (179) - وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ

﴿وَلَكُمْ﴾: أي أنّ فيها خيراً لكم كلّكم؛ لأنّ الله عندما يشرّع، يشرّع لكلّ البشر لا يشرّع لك فقط، إذا أنت اعتديت على غيرك، أنت تنظر إلى تشريع القصاص على أنّه عليك، بينما هو لغيرك؛ لأنّك أنت المعتدي، إذاً قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ﴾ كمجموعة، كمجتمع، كأمّة.

﴿الْقِصَاصِ﴾: من قصّ الأثر أي تتبّع الجريمة.

﴿حَيَاةٌ﴾؛ لأنّه لولا القصاص والعقوبة ما كانت هناك حياة، ولأكل النّاس بعضهم بعضاً، فلماذا تنظر إلى المعاقَب كإنسان ولا تنظر إليه كمجرم؟ لماذا تقول: هذه العقوبة شديدة، قانون العقوبات في الإسلام جاء للرّدع والمنع، وليس للقطع، فإن لم تمتنع ولم ترتدع فيكون الجزاء، لذلك وُضِعت القوانين الجزائيّة وشُرِعَت العقوبات، ولا يمكن لحياة أن تستمرّ ولا يمكن لحياة أن تتقدّم إلّا من خلال العقوبات الجزائيّة وهذا أمر هامّ، لو لم نقتصّ من القاتل، ونعاقب السّارق… لأصبحت الحياة فوضى لا تُطاق، ورغم وجود محاكم وعقوبات وقصاص فإنَّ النّاس لم يرتدعوا.

﴿يَا أُولِيْ الأَلْبَابِ﴾: من له عقل يعرف أنّ في القصاص حياة وليس موتاً، هذا الحدّ وُضِع للحياة ولم يُوضَع للموت، وُضِع من أجل أن يحيا الآخرون، فالمجرم والقاتل والسّارق والزّاني يجب أن يطبّق عليه الحدّ، العقوبات تمنع الجريمة، وتحمي المجتمع، إذاً هل في القصاص من القاتل ممات أم حياة؟ فأنت عندما تحكم على الجاني، فأنت قد أحييت الآلاف؛ لأنّك منعت الجريمة، وهذا هو الأساس في قانون العقوبات، ﴿يَا أُولِيْ الأَلْبَابِ﴾ ذوو العقول يعلمون أنّ هذه الأحكام هي الّتي تحيا بها الأمم.

﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾: كما لك حقوق، فعليك أيضاً واجبات، تأخذ حقّاً مقابله واجب تؤدّيه للوطن وللمجتمع.

الآية رقم (190) - وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ

في هذه الآية انتقل القرآن الكريم إلى قضيّة أحكام القتال، وهذا الموضوع مهمّ بالنّسبة لنا؛ لأنّ الحركات الإرهابيّة والمتطرّفة والتّكفيريّة استغلّت واستثمرت وحرّفت معاني بعض الآيات القرآنيّة من خلال فهم خاطئ وتفسير مبتور غير دقيق وغير صحيح لهذه الآيات، وغيّروا معاني ما أنزل الله سبحانه وتعالى، وهذا تحريف لكتاب الله سبحانه وتعالى.

ربّما يقول قائل: لماذا انتقل القرآن الكريم من موضوع إلى موضوع آخر؟ إنّ القرآن الكريم هو كلام الله وفضل كلام الله على كلام النّاس كفضل الله على النّاس، وهنا فارق كبير بين أن يكون القرآن الكريم قصّة، أو كتاب من صنع بشر فيكتب بتسلسل، وبين أن يكون كتاب هداية، فهذا الكتاب (القرآن الكريم) هو أحكام للإنسان، وهو من ربّ الإنسان، الّذي يعرف دخائل ومخارج هذا الإنسان: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ) [الملك: من الآية 14]، ويتعلّق بكلّ حركة للإنسان في الحياة وبعد الحياة، أي في عالم الغيب وما يتعلّق بمآل الإنسان، وما يتعلّق بصلاح الإنسان في هذه الدّنيا، وهو الرّسالة الّتي يريدها المولى سبحانه وتعالى من خلقه ومن عباده

الآية رقم (201) - وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ

إذاً يفرّق المولى سبحانه وتعالى بين الصّنفين، فالأمر الطّبيعيّ أنّك أنت عند الله تبارك وتعالى وأنت تؤدّي مناسك الله، وعندما تدخل لبيت من بيوت الله فأنت في ضيافته، وعندما تكون في منسك من المناسك فهي أماكن لعبادة الله سبحانه وتعالى فيجب أن ترقى بسؤالك وتصَّعَّد فيه، كلّما كبرت قيمة المسؤول يجب أن تصَّعّد الحاجة، فأنت أمام المولى سبحانه وتعالى وأنت أدّيت فريضة العمر وهي فريضة الحجّ، وأنت في عبادة وحتّى في أيّ مكان تذكر الله سبحانه وتعالى، إن أردت أن تطلب من الله فاطلب على مقياس قدرة الله، ولا تطلب على مقياس قدرتك، على حسب عطاء الله سبحانه وتعالى، والله يعطيك ويعطي غيرك، وقادر على أن يعطي النّاس جميعاً في نفس الوقت بأكثر ممّا يتوقّع الإنسان، فخزائنه ملأى، لذلك عندما سُئل الإمام عليّ كرّم الله وجهه كيف يُحاسب الله النّاس في وقت واحد؟ قال: “كما يرزقهم في وقت واحد”. هو يرزق النّاس جميعاً في وقت واحد ويحاسب النّاس جميعاً في وقت واحد، وقدرة الله لا حدود لها، فاطلب على مقدار قدرته، فإن كنت تطلب الخير، فاطلب الخير الدّائم، الخير الباقي، فاطلب النّعيم المستقرّ، لا تعجّل شهوة عاجلة على نعيم دائم، فعلى الإنسان أن تكون عنده المقاييس مستوية سليمة صحيحة، أن تطلب على قدر من تطلب منه.

الآية رقم (180) - كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ

ربّما يعترض أحدهم ويذكر قول النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم: لا وصية لوارث([1])، ونحن نعلم أنّ السُّنّة تخصّص عموم القرآن، الآن يأتي أحدهم ويقول: هذه الآية في القرآن: ﴿إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ والوالدان يرثان، نجيبه أن هذه الآية قبل أن يخصّص الله للوالدين نصيباً من الميراث، فعندما أصبح للوالدين ميراثٌ نُسِخ الحكم ولم يعد هناك وصيّة للوالدين، وأيضاً يوجد معنى آخر ﴿إِن تَرَكَ خَيْرًا هذا في المال، لكن قد يكون الخير أشمل وأوسع من المال، لكن قال المفسّرون: المقصود بالخير هنا الزّيادة في المال الّذي يترك، فالأبوان كانا لا يرثان قبل أن يرد في الميراث نصيب للأب والأمّ، وكانت العرب قبل الإسلام تورّث الأبناء ولا تورّث الآباء والأمّهات، معتبرين جيل الآباء والأمّهات مضى وانتهى وقته ودائماً تتّجه العواطف إلى الأبناء والبنات، فأوّل ما نزل التّشريع نزل إن كان هناك وصيّة فللوالدين، بعد ذلك أصبح هناك حصّة في الميراث للوالدين فلم يعد هناك وصيّة لهما.

﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا (إِذَا) و (إِن) هل يوجد بينهما فرق؟ دعونا نضع إن مكان إذا: كتب عليكم إن حضر أحدكم الموت، هذا مستحيل أن يكون قرآناً؛ لأنّ (إن حضر) معناها قد يحضر الموت وقد لا يحضر، فهل هناك من لا يموت؟ والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿إنَّكَ مَيِتٌ وإنَّهم مَّيِّتُونَ [الزّمر]، الموت كُتب على كلّ إنسان، نقول مثلاً: إن جاء أحمد فأكرموه، معناه يمكن أن يأتي ويمكن ألّا يأتي، أمّا قولي: (إذا جاء أحمد) فأنا متأكّد أنّ أحمد سيأتي، فكلّ حرف في القرآن الكريم له معنى، انظروا لدقّة القرآن: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ معناها سيحضر الموت، وهو منفصل عنك، حضر وكـأنّه ذات مجسّدة وسيأتي لا محالة، وأنت غير قادر على أن تردّه عن نفسك: ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف: من الآية 34].

﴿إِن تَرَكَ خَيْرًا: لماذا لم يقل: إذا ترك؟ لأنّه لو استُعملت (إذا) لأعطت معنى أنّ كلّ النّاس تموت ويوجد معها مال، أمّا ﴿إِن تَرَكَ خَيْرًا فقد يترك مالاً وقد لا يترك، قد يكون فقيراً عندما يموت، وهذا الفرق بين (إذا) و(إن).

﴿إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ ِلْلوَالِدَيْنِ: أوّل ما يوصي به الإنسان يبدأ بالوالدين، وهما أفضل النّاس على وجه الأرض، وأوجبهم حقّاً عليه، جاء رجل إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: يا رسول الله، مَن أحقّ النّاس بحسن صحابتي؟ قال: أمّك، قال: ثمّ مَن؟ قال: ثمّ أمّك، قال: ثمّ مَن؟ قال: ثمّ أمّك، قال: ثمّ مَن؟ قال: ثمّ أبوك([2]).

﴿حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ: هذا حقّ وواجب على مَن؟ على المتّقي، وإن لم تكن مُتّقياً لله فأوصِ لمن تريد، ولكن إن أنت تركت خيراً، فهذا الخير يجب أن يكون أوّلاً للوالدين، بعد ذلك للأقربين، وتترك الأولاد لماذا؟ لأنّ هنا لا الوالدان ولا الأقربون كانوا يرثون، كانوا يورّثون فقط الأبناء، حتّى البنات كنّ يُحرمن من الميراث.

 


([1]) سنن ابن ماجه: كتاب الوصايا، باب لا وصيّة لوارث، الحديث رقم (2714).
([2]) صحيح البخاريّ: كتاب الأدب، باب من أحقّ النّاس بحسن الصّحبة، الحديث رقم (5626).

الآية رقم (191) - وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ

يتحدّث عن معركة وعن أناس اعتدوا على المسلمين وهذا أمر طبيعيّ أن يردّ المسلمون الاعتداء عن أنفسهم، ولا ينبغي أن تبتر الآية من السّياق.

(وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ): الثّقاف ما هو؟ هو أن تلمّ بأطراف أشياء متعدّدة، ويقال: ثقاف، إن أصلح اعوجاج العود وجعله مستوياً، والثّقافة تصلح من عقول النّاس، فهذه معانٍ في اللّغة العربية، لكن هنا: (حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) أي حيث وجدتموهم.

(وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ): تُشير إلى المعاملة بالمثل، بردّ الاعتداء.

(وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ): لماذا؟ لأنّ الفتنة تتسبّب في قتل الكثير من البشر، فهي أشدّ من القتل، وهي السّلاح الّذي يُستخدم من أجل القتل، فعندما تُثار فتنة في المجتمع قد تتسبّب في قتل هذا المجتمع بمجمله من جرّائها، لذلك نقول: مهما حاول الإرهابيّون والمتطرّفون أن يثيروا الفتنة فأوّل ردّ يكون بمنع وسدّ منافذ الفتن في البلاد، من خلال العودة إلى التّفسير الصّحيح للقرآن الكريم والتّأويل السّليم للسُّـنّة النّبويّة المطهّرة.

(وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ): لماذا؟ لأنّ للمسجد الحرام حرمة وقُدسيّة، وجعل الله من دخله آمناً، أي يجب أن يُؤمَّن على نفسه وماله.

الآية رقم (202) - أُولَـئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ

الإنسان دائماً يُحاسب على ما كسب وعلى ما اكتسب، على ما فعل إن كان خيراً وإن كان شرّاً: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) [الزّلزلة]، فالإنسان يُحاسَب على عمله، والنّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: «لن يُدخل أحداً عملُه الجنّة»، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «لا، ولا أنا إلّا أن يتغمّدني الله بفضل ورحمة، فسدِّدوا وقاربوا…»([1])، فالحقيقة وقف العلماء كثيراً عند نصّ هذا الحديث كيف يقول الله سبحانه وتعالى: (أُولَٰئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُوا ۚ)، (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزّلزلة]، (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) [المدّثر]، (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ۖ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا) [الإسراء]؟ إذاً الإنسان يحاسب على عمله، وهل يدخل الجنّة بعمله أم يدخل الجنّة برحمة ربّه؟ هنا النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: أنت تدخل الجنّة برحمة الله، ولا تدخل الجنّة بعملك، فيستغرب الإنسان كيف يقول القرآن هكذا؟

الآية رقم (181) - فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ

لأنّ الوصيّة إن لم تكن مكتوبة موثّقة فهناك من يُبدّل ويغيّر، فالإثم يقع على الّذي بدّل، وليس على الّذي أوصى.

﴿إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى مطّلع يسمع نجوى الإنسان، ويعلم ما تُخفي الصّدور.

الآية رقم (192) - فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ

إذا توقّفوا عن عدوانهم فإنّ الله غفور رحيم، ودائماً الله سبحانه وتعالى يريد منّا أن نعفو ونصفح ونُحسِن، وهذا هو حال المؤمنين، وهذا هو حال الإسلام، وهذا هو مفهوم القرآن الكريم، لذلك جاءت نهاية الآية إذا انتهى العدوان فإنّ الله غفور رحيم.

الآية رقم (182) - فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ

في سورة (النّساء) نزلت الآيات فحدّدت المواريث، ووضعت للوالدين نصيباً مفروضاً واضحاً من الميراث، وللأولاد نصيب معروف، لذلك الوصيّة في الثّلث فقط، كما ورد في الحديث: قال ســـــعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه: كان النّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يعودني وأنا مريض بمكّة فقلت: لي مال، أوصي بمالي كلّه؟ قال: لا، قلت: فالشّطر؟ قال: لا، قلت: فالثّلث؟ قال: الثّلث، والثّلث كثير([1])، فأقرّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنّ الوصيّة لا تتجاوز الثّلث، فإذاً لا يحقّ لك أن توصي بالميراث لا للوالدين ولا للأولاد، لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: لا وصية لوارث([2])، فكلّ من له سهم في الميراث لا وصيّة له، وأولى النّاس بالوصيّة الأقارب، من أين عرفنا ذلك؟ من هذه الآية، أقرب النّاس بدرجة القربى والّذين ليس لهم سهم في حصص الميراث، وهم بحاجة طبعاً، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلا مَعْرُوفًا [النّساء].

﴿فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ: ما معنى الجنف؟ الجنف هو الانحناء عن الحقّ والعدل، ومن هنا جَنَفُ العمود الفقريّ، أي: انحناؤه عن الاعتدال وتقوّسه.

﴿فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ: يعني أنّه تدخّل لأجل الإصلاح.

﴿فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ: لو حضر المؤمن مجلساً فيه رجل يوصي لمن بعده وصيّة فيها حيف أو ظلم أو جور، أو وصّى بما يخالف الشّرع فحاول أن يصلح ما في هذه الوصيّة فلا إثم عليه، أي أصلح هذه الوصيّة بما يرضي الله تبارك وتعالى أو أنّه أقنع هذا الرّجل أن يوصي بما يُرضي الله، ولا يتجاوز في وصيّته الثّلث، وأن يوصي للأقربين، وألّا يوصي لوارث، وأن لا يخالف الشّرع في الوصيّة، فلا إثم عليه.

﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ: يعني إصلاح موضوع الوصيّة أن تكون وفق الضّوابط الشّرعيّة هو أمر هامّ؛ لأنّ الوصيّة آخر ما يفعله الإنسان، وآخر فعل سيحاسب عليه قبل أن يترك الدّنيا، نعم هو يكتب الوصيّة قبل الوفاة، لكنّ أثرها سيكون بعد وفاته، لذلك لا بدّ من إصلاح هذه الوصيّة، وأن يفعل الإنسان كلّ ما يستطيع ليحكّم الشّرع فيما يوصي به وفق الضّوابط الشّرعيّة.

ويظلّل كلّ هذه الآيات وكلّ هذه الأمور بغفران الله سبحانه وتعالى ورحمته الّتي وسعت كلّ شيء.


([1]) صحيح البخاريّ: كتاب النّفقات، باب فضل النّفقة على الأهل، الحديث رقم (5039).
([2]) سنن ابن ماجه: كتاب الوصايا، باب لا وصيّة لوارث، الحديث رقم (2714).