الآية رقم (32) - يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ

(يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ): الدّين هو نور القيم الّتي تهدي النّاس في ظلمات الحياة، هم لا يستطيعون أن يطفئوا نور الله سبحانه وتعالى؛ لأنّ هناك فرقاً ما بين مصدر النّور وما بين أداة التّنوير، حتّى في الحياة الدّنيا عندما يريد الإنسان أن يطفئ النّور لا يستطيع أن يطفئ المنوّر، فهو يمكن أن يلقي حجراً على الزّجاجة فيقطع الكهرباء والضوء، ولكنّه لم يقطع المنوّر، فكيف بالله سبحانه وتعالى المنوّر الحقيقيّ، فإذاً هم لا يستطيعون أن يطفئوا نور الله سبحانه وتعالى بأفواههم ولا بأكاذيبهم ولا بخداعهم ولا بحيلهم، والله سبحانه وتعالى أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ والصّراط المستقيم الّذي يختم به سيرة الأنبياء جميعاً، فلذلك مهما تآمر اليهود والمشركون على النّبيّ محمّد صلّى الله عليه وسلّم فإنّهم لن يستطيعوا أن يطفئوا نور الله جلّ جلاله ، فنور الهداية هو الصّراط المستقيم الّذي جاء به الأنبياء جميعاً.

(وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ): الله سبحانه وتعالى يأبى إلّا أن يتمّ هذا النّور وقد تمّ النّور، قال سبحانه وتعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)  [المائدة: من الآية 3]، فتمّ النّور بمجيء الرّسول الأعظم بالقرآن الكريم، هذا الكتاب الّذي فيه شفاءٌ للصّدور، وسمّاه الله تعالى نوراً: (قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ)  [المائدة: من الآية 15]، وقال جلّ جلاله : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ) [الإسراء: من الآية 82]، فالكتب السّماويّة كلّها جاءت بالهدى والنّور، (إِنَّا أَنْـزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ)  [المائدة: من الآية 44]، (وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ) [المائدة: من الآية 46]، هدايةٌ ونورٌ وهذا النّور هو نور القيم.

الآية رقم (33) - هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ

(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ): هو الّذي أرسل رسوله محمّداً عليه الصّلاة والسّلام بالهدى؛ أي القرآن الكريم: (إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)  [الإسراء: من الآية 9]، فالكتاب الّذي نزل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو الهداية.

(وَدِينِ الْحَقِّ): دين الحقّ هو الدّين الّذي نزل من عند الله سبحانه وتعالى، أمّا الأديان الّتي اتّخذها النّاس كعبادة الأوثان والأصنام وعبادة الشّمس والقمر… فهي الباطل.

(لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ): قد يقول قائلٌ: بأنّ المسلمين الآن في مؤخّرة النّاس وفي ذيل ركب الحضارة الإنسانيّة فكيف يقول سبحانه وتعالى: (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) ؟ والجواب: أنّ الظّهور هو ظهور حجّةٍ واقتناعٍ وليس ظهور قوّة، نضرب مثالاً: قامت في أمريكا وأوروبّة حملاتٌ كبيرةٌ من أجل منع رضاع الأطفال واستخدام الحليب الصّناعيّ عوضاً عن ذلك معتقدين أنّ هذا أفضل للطّفل، فتبيّن بعد فترةٍ من الزّمن أنّهم عادوا إلى ما قاله الإسلام، واكتشفوا أنّ أفضل شيءٍ للطّفل هو الرّضاع، وكذلك تحريم الإسلام للخمر، نجدهم الآن هم أنفسهم يحرّمون الخمر في بلدانهم، لا يحرّمونه تشريعيّاً وإنّما يحرّمونه لأسبابٍ صحيّةٍ ولأسبابٍ تتعلّق بسلامة المجتمع، فإذاً الظّهور هو ظهور حجّةٍ واقتناع؛ لأنّه لا يوجد في كتاب الله سبحانه وتعالى أيّ آيةٍ تناقض العلم البشريّ والعلم الصّحيح؛ لأنّ الخالق هو الله سبحانه وتعالى فلا تناقض صحيح العلم، وإنّما ما أتى في القرآن الكريم كلّه وإن لم يصل إليه النّاس الآن سيصلون إليه في فترةٍ من الفترات، وهناك أمورٌ كثيرةٌ حتّى في مواضيع الطّلاق والزّواج، وكلّما مرّت الأيام أثبتت بأنّ ما جاء به الإسلام هو القيم الصّحيحة والسّليمة، وهذا هو الظّهور؛ ظهور الحجّة والاقتناع.

الآية رقم (28) - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ

(نَجَسٌ): شيءٌ خبيثٌ لفساد بواطنهم.

(فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ): أي لا يدخلوا الحرم.

(بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا ۚ): وهو العام التّاسع من الهجرة.

(وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً): فقراً بانقطاع تجارتهم عنكم.

عن حميد بن عبد الرّحمن أنّ أبا هريرة رضي الله عنه قال: بعثني أبو بكر في تلك الحجّة في مؤذّنين يوم النّحر نؤذّن بمنى ألّا يحجّ بعد العام مُشرك ولا يطوف بالبيت عريان، قال حميد بن عبد الرّحمن رضي الله عنه ثمّ أردف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّاً -كرّم الله وجهه- فأمره أن يؤذّن بـ (براءة). قال أبو هريرة رضي الله عنه فأذّن معنا عليٌّ في أهل منى يوم النّحر لا يحجّ بعد العام مُشرِك ولا يطوف بالبيت عريان([1]).

فقد مُنع المشركون من دخول المسجد الحرام، نتيجة نجاستهم الفكريّة والمعنويّة، فالمسجد الحرام قبلة المسلمين، وهو أوّل بيتٍ وُضع للنّاس لعبادة الله سبحانه وتعالى، فلا بدّ من تطهيره من مظاهر الشّرك.

(وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ ۚ): وإن خفتم فقراً لانقطاع تجارتهم عنكم فإنّ الله سبحانه وتعالى سيعوّضكم عنها ويكفيكم من فضله إن شاء جلّ جلاله ، وقد أثبتت الأيّام صحّة ما جاء في كتاب الله سبحانه وتعالى، وكيف بارك الله سبحانه وتعالى لهم بالرّزق استجابةً لدعوة سيّدنا إبراهيم عليه السّلام: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ)   [البقرة: من الآية 126].

سبب النّزول: عن سعيد بن جبير قال: لـمّا نزلت: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا ۚ)، شقّ ذلك على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقالوا: من يأتينا بطعامنا، ومن يأتينا بالمتاع؟ فنزلت:  (وإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ ۚ).

(إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ): فهو عليمٌ بحالكم، حكيمٌ في تدبير شؤونكم.


([1]) صحيح البخاريّ: أبواب الصّلاة في الثّياب، باب ما يستر العورة، الحديث رقم (362).

الآية رقم (18) - إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ

(إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ): إمّا عمارة الإنسان وإمّا عمارة البنيان للمساجد، وبناء السّاجد هو الأهمّ، بناء الإنسان، وبناء القيم والأخلاق فيه، فعمارة المساجد؛ أي ارتيادها، أن يعمرها زوّارها فمن الّذي يعمرها؟

(مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ): أركان الإيمان هي أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر خيره وشرّه، وبما أنّ الله سبحانه وتعالى قال: بأنّه من آمن بالله سبحانه وتعالى، فالإيمان بالله سبحانه وتعالى اختصر معاني الإيمان كلّها، ثمّ جاء إلى نهاية الأمر وهو اليوم الآخر الّذي سيُحاسب فيه الإنسان على ما قدّم وعلى صحّة إيمانه؛ لأنّ: «الإيمان بضعٌ وسبعون، أو بضعٌ وستّون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلّا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطّريق»([1])، كما قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.

الآية رقم (29) - قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ

الآيات المتعلّقة بأهل الكتاب تؤخذ على منحى عقديّ ومنحى سلوكيّ، والإسلام وضع قاعدةً للتّعامل مع أهل الكتاب، فقال سبحانه وتعالى: ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ )  [المائدة: من الآية 82]، أمّا ما يتعلّق بالعقائد، فلا شكّ أنّ هناك خلافاً بيننا وبينهم، ولكنّنا نعود إلى الآية المحكمة الّتي تقول: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ ) [البقرة: من الآية 256]، ومن خلال استعراض كتاب الله سبحانه وتعالى وسنّة رسوله الكريم : نجد أنّ الإسلام لم يكره أهل الكتاب على الدّخول في الإسلام، بل تركهم وأباح الزّواج من نسائهم وأكل طعامهم، ودعوته ليست قائمةً على الإجبار والإكراه، فقال سبحانه وتعالى مخاطباً رسوله الكريم : (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)  [النّحل]، بالحكمة والموعظة وليس بالقتل والإكراه، ولكن عندما يقول: (قَاتِلُوا)، إذاً هناك طرفٌ معتدٍ يُقاتل، فعليكم أن تردّوا اعتداءه.

الآية رقم (19) - أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ

(۞ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ): من المعلوم بأنّ قريشاً كانت تتقاسم أمور رعاية الكعبة والحجّاج بين بطونها، كسقاية الحجّاج وسدانة الكعبة، فكان العبّاس بن عبد المطّلب هو الّذي يمسك سقاية الحجّاج وهذا شرفٌ عظيمٌ في ذلك الوقت، وأمّا مفتاح الكعبة فكان بيد طلحة بن شيبة.

سبب النّزول: نزلت في عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه والعبّاس وطلحة بن شيبة، حيث تفاخر كلّ واحدٍ منهم، فقال العبّاس رضي الله عنه أنا صاحب السّقاية، وقال طلحة رضي الله عنه أنا عندي مفاتيح البيت، وأمّا عليّ رضي الله عنه فقال: أنا صاحب الجهاد، وقد صلّيت نحو البيت قبلكم ستّة أشهر.

(لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ ۗ): (العنديّة)؛ أي ما عند الله سبحانه وتعالى، (وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى) [القصص: من الآية 60]، وليس ما عند البشر.

(وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ): هم منعوا الهداية عن أنفسهم عندما ظلموا النّاس وظلموا أنفسهم.

الآية رقم (30) - وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ

سبب النّزول: عن ابن عبّاس رضي الله عنه قال: أتى رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم سَلامُ بن مشكم, ونعمانُ بن أوفى, وشأسُ بن قيس, ومالك بن الصَّيف, فقالوا: كيف نتّبعك وقد تركت قِبْلتنا, وأنت لا تزعم أنّ عزيراً ابن الله؟ فأنـزل في ذلك من قولهم: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ).

وهذه خلافاتٌ عقائديّة لا تؤثّر على السّلوكيّات والمودّة الّتي ربط الله سبحانه وتعالى بها بين المسلمين والنّصارى كما مرّ بنا في الآية السّابقة.

الآية رقم (20) - الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ

(الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا): المهاجرون الأوائل لهم السّبق؛ لأنّهم تحمّلوا وكانوا هم حملة الإسلام الأوائل، والّذين تركوا الدّيار والأموال في سبيل الله تعالى وهاجروا من مكّة إلى المدينة المنوّرة مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

(وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ): كناية عن معركة بدرٍ وأُحد والخندق.

(بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ): فالجهاد يكون بالنّفس والمال من أجل تجهيز أمور القتال.

(أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ ۚ): هؤلاء لهم الدّرجة المفضّلة والأولى.

(وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ): أولئك: الإشارة إلى المؤمنين المهاجرين والمجاهدين في سبيل الله سبحانه وتعالى فلهم الفوز والفلاح عند الله سبحانه وتعالى.

الآية رقم (31) - اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ

(أَحْبَارَهُمْ): الأحبار هم العلماء.

(وَرُهْبَانَهُمْ): أصحاب الصّوامع المتجرّدون للعبادة.

(أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ): سادةً لهم من دون الله سبحانه وتعالى، يطيعونهم في معاصي الله سبحانه وتعالى، فلم يكونوا يصومون ولا يصلّون لهم، ولكنّهم كانوا إذا أحلّوا لهم شيئاً استحلّوه، وإذا حرّموا عليهم شيئاً أحلّه الله سبحانه وتعالى حرّموه، فتلك كانت ربوبيّتهم، عن عديّ بن حاتم رضي الله عنه قال: أتيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وفي عُنقي صليبٌ من ذهب، قال: فسمعته يقول: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ)، قال: قلت: يا رسول الله، إنّهم لم يكونوا يعبدونهم، قال: «أجل، ولكن يحلّون لهم ما حرّم الله فيستحلّونه، ويحرّمون عليهم ما أحلّ الله فيحرّمونه، فتلك عبادتهم لهم»([1]).

(لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ ): تقدّس وتنزّه عن الشّركاء والأنداد والأعوان، لا إله إلّا هو، ولا ربّ سواه.

ونؤكّد هنا بأنّ الإسلام لم يأمر بقتال النّاس على اختلاف عقائدهم، ولكنّه أمر بقتال المعتدين منهم كما ذكرنا.


([1]) سنن البيهقيّ الكبرى: كتاب آداب القاضي، باب 20، الحديث رقم (20137).

الآية رقم (21) - يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ

( يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ ): إضافةً للفوز الّذي حقّقوه في موقعة بدر فإنّ لهم بشرى أخرى، وهي رحمة الله سبحانه وتعالى ورضوانه، وهي الأساس في دخولهم الجنّة؛ لأنّهم لا يدخلون الجنّة بأعمالهم ولا بجهادهم ولا بإنفاق أموالهم، بل يدخلونها برحمة الله سبحانه وتعالى، لذلك قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا يدخل أحدكم الجنّة بعمله»، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا إلّا أن يتغمّدني الله منه برحمة وفضل»([1])، بمجرّد أنّ الله سبحانه وتعالى جعل الجنّة ثواباً لمن قدّم وعمل صالحاً في الدّنيا فهذه رحمةٌ من الله سبحانه وتعالى.

(وَرِضْوَانٍ): والرّضوان هو أن يرضى الله سبحانه وتعالى عنهم فلا يسخط بعدها أبداً، قال صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله تبارك وتعالى يقول لأهل الجنّة: يا أهل الجنّة، فيقولون: لبّيك ربّنا وسعديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك؟ فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك، قالوا: يا ربّ، وأيّ شيءٍ أفضل من ذلك؟ فيقول: أحلّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً»([2]).

(وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ): ليست جنّةً واحدةً، بل جنّاتٍ فيها نعيمٌ دائمٌ، فالنّعيم المقيم هو النّعيم الدّائم، أمّا نعيم الدّنيا فزائلٌ والإنسان فيها زائلٌ أيضاً، فهو منذ ولادته يسير إلى نهايته.


([1]) مسند أحمد بن حنبل: مسند أبي هريرة رضي الله عنه، الحديث رقم (7473).
([2]) صحيح البخاريّ: كتاب الرّقاق، باب صفة الجنّة والنّار، الحديث رقم (6183).

الآية رقم (22) - خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ

المولى سبحانه وتعالى يبيّن بأنّ هذه الجنّات الّتي أعدّها للمؤمنين وهذا الرّضوان العظيم وهذه الرّحمة الكبيرة وهذا العطاء غير المتخيّل من قِبل الإنسان في الآخرة هم خالدون فيه أبداً، فلا يتركك النّعيم ولا تتركه أبداً.

(إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ): هذا الأجر العظيم وهذا الثّواب وهذا النّعيم المقيم والعطاء الخالد الدّائم جعله الله جلّ جلاله  للإنسان على ما قدّمه في الحياة الدّنيا، وعلى ما نفّذه من أوامر الله سبحانه وتعالى، وانتهى عن نواهيه.

الآية رقم (23) - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ

هنا في جوّ الهجرة وجوّ أوّل لقاءٍ مسلّحٍ يتمّ بين الرّسول الكريم وبين المشركين الّذين هم أهله وعشيرته وأهل المهاجرين في مكّة، يقول الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ ۚ) الخطاب للّذين آمنوا وهاجروا في ذلك الوقت بأنّه لا يجب أن تكون ولايتكم للمشركين وإن كانوا من آبائكم أو إخوانكم وعشيرتكم، فالوليّ هو الّذي يلجأ إليه الإنسان في كلّ أمرٍ، فيجب ألّا تولّوهم.

(إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ ۚ): قال: (اسْتَحَبُّوا ) ولم يقل: (أحبّوا) لماذا؟ لأنّ استحبّ فيها افتعال الحبّ، بينما الإيمان يكون بالفطرة، فالإنسان يولد مؤمنٌ بالفطرة، فعندما يستحبّ الكفر فهناك افتعالٌ، ولو تركوا الأمر لحبّهم ولهواهم ولقلبهم لاختاروا الإيمان على الكفر، أمّا لو قال: أحبّ، فيكون من غير افتعال.

(وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ): لأنّهم علموا الإيمان وعلموا الحقيقة وعلموا بأنّ الله سبحانه وتعالى هو الخالق والمدبّر وهو الّذي يجب أن يُطاع، فإن اتّبعوا هؤلاء المشركين الّذين يعبدون الأصنام والأوثان فقد ظلموا أنفسهم.

الآية رقم (24) - قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ

(اقْتَرَفْتُمُوهَا): أي حصلتم عليها بمشقّة، حصلتم عليها بتعبكم فتكون هذه الأموال عزيزةً عليكم أكثر من مال الميراث الّذي يأتي من غير تعب.

(وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا): تجارةٌ؛ أي مالٌ مؤجّل.

(وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا): كلّ ما يتعلّق بما يهواه الإنسان ويحبّه من هذه الحياة الدّنيا عدّده المولى سبحانه وتعالى.

هم اختاروا الله سبحانه وتعالى والرّسول صلّى الله عليه وسلّم فكان هناك اختيارٌ، إمّا أن يتركوا مكّة ويختاروا الله جلّ جلاله  ورسوله الكريم وإمّا أن يختاروا أموالهم وتجارتهم الّتي يخشون كسادها وديارهم وعشيرتهم، هذا هو المعنى الحقيقي للهجرة؛ لذلك فإنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهادٌ ونيّةٌ»([1])، وفي الحديث الصّحيح الّذي اعتبر نصف الدّين: «إنّما الأعمال بالنّيات، وإنّما لكلّ امرىء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يُصيبها أو إلى امرأةٍ ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه»([2])، فهنا بيّن المولى سبحانه وتعالى الميزان بكلّ ما يتعلّق بالدّنيا والهجرة إلى الله عزّ وجلّ ورسوله صلّى الله عليه وسلّم والجهاد في سبيله جلّ وعلا.

(فَتَرَبَّصُوا): معناها الانتظار الشّديد.

(وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ): أي الخارجين عن طاعته ودينه، فهم اختاروا عدم الطّاعة فوجب عليهم عدم الهداية.


([1]) صحيح البخاريّ: كتاب الجهاد والسّير، باب وجوب النّفير وما يجب من الجهاد والنّيّة، الحديث رقم (2670).
([2]) صحيح البخاريّ: كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:، الحديث رقم (1).

الآية رقم (25) - لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ

(لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ۙ): في بدر والخندق وفتح مكّة وفي مواطن كثيرة، مواطن: جمع موطن وهو ما استوطن فيه، وهنا تأتي بمعنى الموقعة.

(وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ): بعد فتح مكّة أصبح تعداد المؤمنين كبيراً، وكانت غزوة حنين بعد فتح مكّة، فأُعجب بعض المسلمين بكثرتهم وقالوا: لن نُغلَب اليوم عن قلّة، إذاً هنا تعلّقوا بالسّبب وتركوا المسبّب، وهذا وصفٌ يسيرٌ لما جرى يوم حنين، حيث اجتمعت قبائل هوازن وثقيف واختاروا مالك بن عوف ليكون القائد في هذه المعركة، واستطاع مالك بن عوف أن يجمع أربعة آلاف مقاتل وانضمّ إليه عددٌ من الأعراب المحيطين بهم، ووضع مالك خطّته على أساس أن يخرج الجيش ومعه ثروات المشاركين بالجيش من مالٍ وبقر وإبل وأن يخرج معهم النّساء والأطفال؛ وذلك حتّى يدافع كلّ واحدٍ منهم عن عرضه وماله فلا يفرّ من المعركة، ويستمرّ في القتال بشجاعةٍ وعنف؛ لأنّه يدافع عن كلّ ما يملك، وبذلك وضع العوامل كلّها الّتي تضمن له النّصر

الآية رقم (26) - ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ

بعد الهزيمة الأولى أنزل الله سبحانه وتعالى السّكينة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأنزل الله سبحانه وتعالى جنوداً لم تروها كانت تقاتل إلى جانبهم، وليس كلّ ما لا نراه غير موجود، وليس ذلك على الله بعزيز.

الآية رقم (27) - ثُمَّ يَتُوبُ اللّهُ مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَن يَشَاء وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ

أبواب التّوبة دائماً مفتوحة، وباب التّوبة لا يغلق أبداً ما لم يغرغر الإنسان كما قال صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر» ([1])، ولا يريد الله سبحانه وتعالى للجريمة ولا للإشراك أن يستشري في أيّ مجتمع.


([1]) مسند الإمام أحمد بن حنبل: مسند المكثرين من الصّحابة، مسند عبد الله بن عمر بن الخطّاب 8، الحديث رقم (6160).

الآية رقم (7) - كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ

(كَيْفَ): أي: تعجّب.

(كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ): هم يعبدون الأوثان ولا أمانة لهم ولا أخلاق ولا عهد ولا ميثاق، فكيف يكون لهم عهدٌ عند الله وعند رسوله؟!

(إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۖ): أي أنّهم إذا استقاموا على العهد والمواثيق وعلى ما اتّفقوا معكم عليه فاستقيموا لهم مع أنّهم مشركون، فلا علاقة لموضوع الإشراك والعقيدة بالوفاء بالعهود، فإن استقاموا وأوفوا بالعهد فأوفوا بالعهد معهم.

الآية رقم (8) - كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ

(كَيْفَ): كرّر المولى سبحانه وتعالى كلمة (كَيْفَ): لكنّه لم يكرّر التّعجب، وإنّما بيّن كيف يكون المشركون.

(وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ): يتمكّنوا منكم.

(لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا): لا يرقبوا؛ أي: لا يراعوا فيكم إلّاً؛ أي قرابةً أو جيرةً أو رحماً، فهم كانوا أقرباء لهم، خرجوا من مكّة لا يراعون لا الجوار ولا الرّحم ولا القرابة.

(وَلَا ذِمَّةً ۚ): أي ولا وفاء بالأمانة.

 (يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ): يتحدّثون معكم بألسنتهم غير ما يضمرون في قلوبهم من حقدٍ ومكرٍ وضغينةٍ على الإسلام وعلى أهل الإسلام.

(وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ): أي خارجون عن طاعة الله سبحانه وتعالى.

الآية رقم (9) - اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ

(اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا): الدّنيا وما فيها ثمنٌ قليلٌ لتبيع آيات الله سبحانه وتعالى بها، فمعنى اشترى؛ أي باع، فهم استرخصوا؛ لذلك باعوا هذا الدّين وهذه الآيات بثمنٍ قليلٍ.

(فَصَدُّوا عَن سَبِيلِهِ ۚ): أي وقفوا حاجزاً أمام الدّعوة إلى الله سبحانه وتعالى الّتي قام بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والصّحابة الكرام رضوان الله عليهم جميعهم.

(إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ): إنّه عملٌ سيّءٌ قبيحٌ قذر، والعمل هو جمعٌ ما بين القول والفعل، إذاً أقوالهم وأفعالهم؛ أي أعمالهم كانت سيّئةً؛ لأنّهم اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً وصدّوا عن سبيله سبحانه وتعالى.

الآية رقم (10) - لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ

القرآن الكريم له أسرارٌ وليس فيه تكرارٌ، فانظر إلى أيّ آيةٍ تعتقد أنّها تكرّرت، اقرأها أكثر من مرّةٍ لتعلم أنّ فيها سرّاً وليس تكراراً، لاحظ الآية الّتي سبقتها: (كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ)، وهنا يقول: (لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ)، المرّة الأولى هي إخبارٌ من الله سبحانه وتعالى عنهم بأنّهم لا يراعون لا الجوار ولا القرابة ولا الوفاء بالأمانة، وهنا يقول: بأنّ هؤلاء المشركين الّذين لا يراعون الجوار والقرابة والذّمّة والوفاء بالأمانة إنّما هم المعتدون، إذاً الاعتداء يبيّن أنّ علّة المشكلة هي عدوانهم.

(لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ): لا يراعون لا حقّ الجوار ولا حقّ القرابة ولا حقّ صلة الرّحم ويخونون الأمانة، ويساعدون النّاس ضدّكم ويتآمرون مع أعدائكم فهذا هو الاعتداء.

(وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ): تذييل الآية يختلف عن الآية الأولى، في الأولى إخبارٌ من الله سبحانه وتعالى بأنّهم فاسقون، وهنا يخبر عنهم بأنّهم معتدون.