المنافق يُظهِر شيئاً، ويبطن غير الحقيقة وغير ما يظهر أمام النّاس، وله اتّجاهان ووجهان، وهو أشدّ إيذاءً وإيلاماً في المجتمع من العدوّ الظّاهر؛ لأنّ العدوّ الظّاهر ترى عداوته، أمّا المنافق فإنّه ذو وجهين، لذلكَ فهو حريٌّ عند الله سبحانه وتعالى ألّا يكون وجيهاً. وقد أفرد القرآن الكريم الكثير من الآيات حول داءٍ عضالٍ يصيب المجتمعات وهو النّفاق، فهو خطرٌ كامنٌ داخل المجتمعات الإنسانيّة، الّتي إمّا أن يكون فيها عدوٌّ أو صديقٌ أو منافقٌ، فالصّديق معروفٌ، والعدوّ عداوته ظاهرةٌ معروفةٌ يحتاط الإنسان منها، أمّا المنافق فهو الخطر الكامن داخل الجسد، والّذي يُبدي شيئاً ويخفي شيئاً آخر.
كلمة منافق جاءت من كلمة حيوانٍ صحراويّ اسمه نافقاء اليربوع، وهو حيوانٌ صحراويٌّ مخادعٌ يدخل من بابٍ ويخرج من بابٍ، ديدنه الخداع، والمنافق يخدع المجتمع، وقبل خداعه للمجتمع فهو يخدع نفسه، لذلك قال المولى سبحانه وتعالى: ﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾: البشارة تكون بالشّيء السّارّ، والإنذار يكون بالشّيء السّيّء، وعندما تبشّر فأنت إذاً تبشّر بخيرٍ، ولكنّ المولى سبحانه وتعالى استخدم هنا أسلوب التّهكّم والسّخريّة بهم؛ لأنّهم يعتقدون أنّهم يخادعون الله سبحانه وتعالى. كما تقول إذا جاءك إنسانٌ معروفٌ بالبخل: أهلاً بك يا حاتم الطّائي، فمن المعروف أنّه تهكّمٌ، وهنا يتهكّم الله سبحانه وتعالى بالمنافقين فيقول: ﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾، أي أنّ العقاب سيكون أليماً في الآخرة على نفاقهم ومخادعتهم.