﴿فَرِحِينَ﴾ لماذا يذكر حالة الفرح الّتي تلفّهم؟ لأنّ أجواء الحزن تلفّ بأسر الشّهداء والذين قدّموا أنفسهم ودماءهم وأرواحهم، فأراد الله سبحانه وتعالى أن يطمئن أسر وأحباب الشّهداء ويقول لهم: إنّ شهداءهم فرحون فلماذا يحزنون أهلوهم؟ ﴿فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ﴾ قال: من فضله، ولم يقل من عدله، فالفضل هو الزّيادة عن العدل، العدل أن توفّى على قدر العمل كما قال سبحانه وتعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾ [الأنبياء]، هذا العدل، أمّا الفضل فهو زيادة عمّا يستحقّ الإنسان، فأيّ تكريم هذا للذي قدّم نفسه وروحه ودمه فداء لوطنه ولدينه ولمقدّساته ولعرضه ولماله، لا يوجد بعد هذا التّعبير القرآنيّ ما يُسلّي قلوب المكلومين بشهدائهم أكثر من هذه الآية: ﴿فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ﴾، ولم يكتف بذلك بل قال﴿وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ﴾: البِشْر من الفرح، وهو مأخوذ من البشرة، فعندما يفرح الإنسان تُشرق بشرته.
﴿أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾: الحزن يكون على ما وقع، فالذين من ورائهم أي من خلفهم من المؤمنين إمّا أن يكونوا خائفين من هذا المصير، أي القتل والشّهادة، وإمّا أن يكونوا قد حزنوا على فقدان الأحبّة.