هذه هي دورة الحياة، ولا يمكن للأوطان أن تسلم وتعيش الأمن والأمان طالما هناك غوائل المعتدين وأطماع المستعمرين، فلا بدّ أن يكتب عليك القتال لتدافع عن وطنك، عن عرضك، عن مالك، عن وجودك، عن تاريخك، عن مستقبلك، وعندما دخل الإرهابيّون وطننا، وعاثوا فيه فساداً وإفساداً وقتلاً كان لا بدّ أن نقاتل حتّى ندافع عن وطننا.
عندما يقول الله في الآية: (كُتِبَ) بصيغة المبني للمجهول؛ فلأنّ هناك عقداً إيمانيّاً بينك وبين ربّك، أنّك آمنت به، ولم يكتب على كلّ النّاس، كتب على من آمن، فلم يقتحم على أحد حريّة الاختيار الممنوحة له، وإنّما عقد الإيمان الوثيق بينك وبين ربّك.
(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ): الله سبحانه وتعالى خالق الإنسان يقول ويُثبت: بأنّ القتال كُرْهٌ للإنسان بفطرته السّليمة، كلّ النّاس يكرهون القتال، والّذي يريد القتال ويسعى إليه هو المعتدي، أمّا الإنسان السّويّ، بطبيعته الإنسانيّة الصّافية، لا يريد القتل ولا القتال، ولكن كُتب عليك القتال إن أنت قوتلت وأُجبرت عليه، قال سبحانه وتعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) [الحجّ]، لذلك أنت عندما تتعرّض للعدوان يُكتب عليك القتال، لكن هنا يجب أن نأخذ بالمقاييس العامّة الواسعة وليس بالمقاييس الضّيّقة الّتي يراها النّاس فقط، الله سبحانه وتعالى أتبع قوله: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ)، بقوله: (وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) فمقاييس الخير ليست بيد الإنسان، وهو لا يعلم الغيب، ولو علم الغيب لاستكثر من الخير، ولا يعرف الخير المضمر ولا الشّرّ المضمر فيما تخبّئه الأيّام، لذلك الإنسان أحياناً يدعو بالشّرّ دعاءه بالخير، قال سبحانه وتعالى: (وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ ۖ وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا) [الإسراء]